الدراسات الاجتماعية للصف الخامس والسادس.. صورة الواقع كما تعكسها المناهج السورية

الدراسات الاجتماعية للصف الخامس والسادس.. صورة الواقع كما تعكسها المناهج السورية

رافقت شخصيتا «باسم ورباب» أطفال جيل الثمانينات، ومن سبقّهم في رحلة تعلّمهم ضمن المدّارس السوريّة، بحيث تحوّل الطفلان الذي ابتدعهما الرسام ممتاز البحرة إلى رمزٍ راسخ لمناهج وكتب التعليم السورية. واليوم، وعلى الرغم من أن الحديث عن تجديد المناهج يتم تناوله بكثافة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن هناك شرائح واسعة من السوريين- وتحديداً الذين يخلو محيطهم من الأطفال- لا يعلمون حقاً القيم التي تروّج لها هذه المناهج، أو الموضوعات التي تتصدى لمعالجتها. وفي هذا المقال ستتم الإضاءة بصورةٍ خاصة على كتاب الدراسات الاجتماعية للصفيّن الخامس والسادس الابتدائي. المطبوع للمرة الأولى عام 2018-2019.

صفحات ملوّنة ومضمون تفاعلي

في البداية، ومن حيث أسلوب طرح المعلومات، لا بد من الإشارة إلى أن المناهج الحالية حملت نقلة على صعيد أسلوب العرض، فالكتب قائمة على مستوى أعلى من التفاعلية وتطوير مهارات الاستنتاج والعمل ضمن المجموعات. كما أن شكل الإخراج والرسومات التوضيحية يعتمد على استخدام الألوان وتجزئة النصوص، بحيث لا يجد الطفل نفسه أمام كتل نصيّة ضخمة. في حين يختلف مستوى الرسومات من حيث اتقانها وجمالها، لكن اللافت: أن لكل وحدة، أو فصل، هوية بصرية خاصة. هذا وتتبدّل الشخصيات التي تُقدّم المعلومات وتنتمي إلى محافظات سورية مختلفة، في توجّه مختلف عن الاستمرارية التي خلقتها شخصيتا باسم ورباب في المنهاج القديمة. هذا ويُلحظ أيضاً الاتجاه نحو توظيف التكنولوجيا في عملية التعلّم، بحيث تدخل وسائل التواصل الاجتماعي في الكثير من الأمثلة والحكايات، كما يتم اقتراح مواقع يمكن للطفل تصفحها عبر الإنترنت لجمع معلومات إضافية. لكن تصميم الكتاب وحده لن يكون كافياً إن لم يكن متبوعاً بحماس المُعلم لتبني أشكال تعليم بعيدة عن التلقيّن.

في نقد المضمون

بعيداً عن الشكل، تأتي الخطوة الأعقد بتقديم نقد لمحتوى الكتاب، وطرح أسئلة تتعلق بتوجهاته الفكرية والسياسية، أو مدى ارتباطه بالحياة اليومية المُعاشة للطفل السوري خارج قاعة الصف.

يمكن القول بدايةً: إن كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الخامس يتراوح بين تقديم محتوى صادم مرتبط أحياناً بمفرزات الحرب والتغيرات الاجتماعية الحاصلة، وبين تبني نظرة ورديّة مثالية تبدو كما لو أنها تتحدث عن بلاد في كوكب آخر.
إذ يُلحظ بدايةً تنامي النزعة التي تتبنّى شعار «نعم تستطيع فعلها»، حيث تتكرر كلمة إيجابي ومشتقاتها عشرات المرّات على امتداد الكتاب، في حين تحمل بعض الدروس عناوين من قبيل: التفكير بإيجابية، تحديد الأهداف، نتحاور لنرتقي، نتواصل لنتآلف.
في أحد المواضع، يقع القارئ على عبارة تقول: «هل تعلم أن هناك أغذية تخفف القلق والتوتر؟» ويأتي الجواب: «إنها الأسماك، اللحم الأحمر، التمر والبقوليات والأجبان». تبدو هذه العبارة رغم صحّتها مستفزة بالنظر لكون الموزّة الواحدة باتت حلماً للطفل السوري. وفي موضع آخر من الكتاب نقع على سؤال عن الأندية التي تناسب اهتمامات الطفل، مثل: النادي الفلكي والمسرحي، ونادي القراءة المجاني.

وفي حين يبتدأ درس «الهجرة من الريف إلى المدينة» بحكاية الفلاح أسعد من ريف الرقة الذي لم يعد محصول أرضه يكفي حاجات أسرته، إضافة إلى كون أبنائه الخمسة يحتاجون الانتقال إلى المدينة لإكمال دراستهم، حيث يطلب من الطفل مناقشة إيجابيات وسلبيات قرار الهجرة بالنسبة لكل فرد من أفراد الأسرة، إضافة إلى تبعاتها بالنسبة للريف والمدينة. ويطلب منهم في الختام: اقتراح حلول تساعد أسعد وغيره من الفلاحين على البقاء في قريتهم. وفي درسٍ آخر يطلب من الطلاب تشكيل مجموعات لنقاش مشروعات مُحتملة يمكن تنفيذها في مدينة القدس بعد تحريرها.

في المقابل، لا تعالج جميع الدروس الجانب الوردي من حياة الطفل السوري، فهناك أحياناً طرحٌ مباشر لبعض القضايا شديدة الحساسية دون وضع تقديم كافٍ لها. ومن أمثلة ذلك: الدروس التي عالجت ظواهر التحرّش الإلكتروني، وأنواع المُخلّفات المُتفجّرة ومخاطرها. فقد يقرأ المرء العبارة التي تقوّل: «إذا علمت أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية يكتشف يومياً آلاف الحالات من استغلال الأطفال، بسبب الاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي، أي الإجراءات ستتخذ في حال شعرت بأن هناك من يحاول استغلالك عبر هذه الوسيلة؟» وهنا لا بد من أن يضع المرء نفسه مكان طفل في الصف الخامس كي يتخيّل كم الأسئلة والمخاوف التي قد تراوده أمام ظاهرة معقدة وغيّر مفهومة كالتحرّش الإلكتروني، بحيث يشعر بأن مضمون الدرس عرّج سريعاً على الظاهرة بغرض رفع العتب. فيما يتم التقديم لدرس المُخلّفات المُتفجّرة بقصة راعي كان يرعى قطيعه قبل أن يتجاوز أحد خرافه لافتة حمراء على جانب الطريق. في حين يتم سؤال الأطفال عن الأسباب المحتملة لانزعاج وخوف الراعي مما حصل، ومن ثم تزويدهم بإرشادات لتجنّب الأجسام الغريبة، مع تزويدهم بصور لمجموعة من القنابل والصواريخ والمواد المتفجرة. وفي تمرين تفاعلي لاحق يطلب من الأطفال تصميم بعض الإشارات التحذيرية التي تعلموها باستخدام الورق المقوى الملّون. هذه الدروس تحديداً تجعل المرء يدرك بشاعة البيئة المحيطة التي يضطر الطفل السوري اليوم للتعامل معها، بحيث تبدو أغنيّات «قفز الأرنب» و«ماما ماما يا أنغاما» ذكرى لطفوّلة اتضح بأنها كانت سعيدة مقارنة بواقع اليوم.

البعد الفكري والوطني

في الكتاب تختلط القناعات الدينية بالمعلومات التاريخية، فيطلب من الطفل ترتيب تواريخ ولادة الأنبياء مع أحداث، مثل: اختراع الأبجدية واكتشاف الزراعة.

أما فيما يتعلق بالدروس الوطنية والتاريخية للصف السادس، يتطرّق الكتاب إلى قضيّة لواء اسكندرون ويتم تخصيص درس للاحتلال الفرنسي، والثورة السورية الكبرى. يعتمد هذا الدرس تحديداً عرض أشكال بيانية موجزة تذكر اسم رموز الثورة السورية كإبراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان الأطرش مع الاكتفاء بذكر تاريخ اشتعال هذه الثورات، وأهم المعارك التي خاضوها. تأتي هذه الدروس تحديداً جافة، ومباشرة ومُغرقة في الإيجاز، تبتعد تماماً عن توظيف أي نوع من الاستمالات العاطفية التي تتيح للطفل بناء أية صلة نفسية أو عاطفية مع حكايات هؤلاء الأبطال، بحيث ينسى سريعاً وجوههم ولا يمتلك أية خلفية تُمكّنه من فهم أهمية واستثنائية ما قاموا به، أو ودوافعهم لفعل ما فعلوه.

لتحميل العدد 993 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
993
آخر تعديل على الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2020 15:45