نور أبو فرّاج
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لم تكن المسلسلات التي تصنّف تحت نوع «الجريمة» أو «الإثارة والغموض» كثيرة في تاريخ الدراما السورية. فباستثناء مسلسل «جريمة حصلت في الذاكرة» (1992) المُقتبس عن إحدى روايات أغاثا كريستي، لم يتم التركيز على إنتاج هذا النوع الدرامي مقارنة بالدراما الاجتماعية، التاريخية، والكوميدية التي شكّلت قوام الإنتاج الدرامي السوري.
موت الأميرة ديانا، اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي، أحداثٌ أخفت خلفها نماذج لنظريات مؤامرة شهيرة واسعة الانتشار داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذا النوع من النظريات، يتدرج من البساطة إلى التعقيد، ولا تتوقف عن الانبعاث على مر السنوات، كان آخرها الاعتقاد بأن مجموعة من الديمقراطيين والنخب تحاول تقويض رئاسة دونالد ترامب. في حين يعتقد البعض الآخر أن مركز أبحاث شهير في ولاية ألاسكا هو مختبر للتحكم في العقول.
في مجال علم النفس، يقال بأن المرء وحينما يجد نفسه في موقفٍ ضاغط أو خطر، يهدد حياته، يقوم بأحد شكلين من أشكال الاستجابات: إما الكرّ أو الفرّ، أو ما يعرف باللغة الإنكليزية بـ (Fight Or Flight Response).
في لغة الشارع، نلاحظ أحياناَ ظهور كلمات تسود وتنتشر دون سببٍ معروف، منها مثلاً «لايك» و«حبيت» اللتان انتشرتا للتعبير عن الإعجاب بأمرٍ ما، أو حينما يقال «شغّال» إجابةً على سؤال: «كيفك؟». لكن الحقيقة أن الكلمات الشائعة لا تقتصر حدودها على لغة الشارع، بل تتجاوزها إلى اللغة الأكاديمية والفكرية، بحيث نرى موضوعات وكلمات تسود وتنتشر ضمن أوساط محددة، وتصبح أشبه بأطر لا بد من استخدامها إن أراد المرء أن يبدو «مفكراً» و«عميقاً».
في عام 1996 كُلف المسرحي السوري سعد الله ونوّس من قبل المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونسكو، بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي. وهو تقليد يحمل رمزية عالية للمسرحيين في كل بلدان العالم، لأن الرسالة التي تُكتب في هذا اليوم تُقرأ بكل اللغات، وعلى كل المسارح في مختلف بقاع العالم. ويكاد اليوم لا يبقى من ذكرى تلك الرسالة القيّمة التي كتبها ونوّس سوى عبارة: «إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ»، وهي العبارة التي يرددها الكثيرون دون معرفة السّياق الذي قيلت فيه.
ترددت طوال العام المنصرم دعابة سمجة تُكيل اللعنات لأول شخص آسيوي تناول حساء الخفافيش، وجلب بذلك وباء كورونا للعالم أجمع. وعلى الرغم من أن تلك العبارات كانت تقال بشكلٍ أو بآخر على سبيل المزاح، لكنها تعكس في العمق توجهاً عالمياً بدأ يتكرس حول كراهية الآسيويين، وتحميل الملايين منهم مسؤولية نشأة وانتشار فايروس كورونا. تبدو تلك الخرافة المتعلقة بحساء الخفافيش عصيّة على الزوال، لا تُسكتها التقارير والتحقيقات التي ما زالت عاجزة عن تحديد الزمان والمكان الفعليان لنشأة الفايروس قبل انتشاره في مدينة ووهان الصينية. وهذا أمرٌ ليس بالجديد، فالطاعون أو الحمى الإسبانية لم تكن إسبانية البتة، ومع ذلك فشلت عشرات السنين التي انقضت في تعديل اسمها.
تشبه الكلمات الطريق أحياناً، لأنها في المحصّلة معبرٌ يودي إلى المعنى. أحياناً ما تفضي كلمات مختلفة إلى الغاية ذاتها، لكن هذا لا يعني أنها كلمات متشابهة أو متطابقة، فلكل كلمة شحنتها، ووقعها، ودلالتها، وهذا ما يدركه تمام المعرفة السياسيون، ووسائل الإعلام التي تنطق باسمهم، فتجعلهم يختارون في خطاباتهم كلماتٍ دون غيرها. أما في سورية فالوضع مختلفٌ قليلاً فيما يتعلق باختيار المفردات المناسبة من قبل صُنّاع القرار ووسائل الإعلام التي تدعمهم، إذ يبدو النهج السائد هنا دائماً: «اختيار الطريق الطويل والمتعرّج نحو المعنى».
يتغنى المجتمع السوري عموماً، كالكثير من المجتمعات الأخرى، برصيده الكبير من الحكم والأمثال الشعبية. إذ يرى في تلك الأمثال عصارة حكمة الأجداد وفطنتهم وبلاغتهم في قول أكثر الأفكار قيمة في أقل عدد من الكلمات. ولهذا تربت أجيال وأجيال من السوريين الشباب وهم يسمعون آباءهم يرددون عبارة: «الله يرحم أهل المثل ما تركوا شي ما قالوه»، وكانوا يقصدون بالطبع: أن الأمثال في موضوعاتها تُغطي الكثير من المواقف اليومية والدروس الأخلاقية. وفي الحقيقة الجملة السابقة مُحقة جداً؛ فأهل المثل فعلاً قالوا كل شيء دون مواربة أو تجميل، وهذا ليس بالضرورة أمراً حسناً. فهذه الحكم الشعبية تحوي إلى جانب المواعظ التي تسخر من الطمع والحسد والفضولية، أفكاراً رجعية أو عنصرية. كما أن الأمثال تمتلئ أحياناً بالسخرية من ذوي الإعاقة والشتائم والبذاءة، وتروّج في أحيانٍ أخرى لأفكار وقيم سلبية، كالانتهازية والشك بالناس، إضافةً إلى كونها مُثقلة حتى التُخمة بأفكار نمطية حول النساء.
عُد المجتمع السوري لفترات زمنية طويلة مجتمعاً صحيّاً خالياً لدرجة كبيرة من المواد المخدّرة، التي كان تعاطيها وتداولها يحصل في دوائر ضيّقة جداً وبتكتمٍ شديد. فشرائح واسعة من الناس لم تكن تعرّف شكل تلك المواد أو رائحتها، ولم تكن تستطيع أن تميّز قطع الحشيش عن كومة حصى صغيرة. ماذا حصل في السنوات الماضية حتى طُمّر المجتمع بالمواد المُخدّرة، وكيف يتعاطى الإعلام الرسمي السوري مع التغيّرات على هذا الصعيد؟
غيّر وباء كورونا، ضمن جملة الأمور التي غيّرها، نمط الاستهلاك على نطاق عالمي، فالأزمات المالية التي خلقها، وفقدان فرص العمل من جهة، وتقييد حركة الناس من جهة أخرى، أثّرت جميعها على الطريقة التي يُنفق فيها الناس أموالهم، إن امتلكوا أيّاً منها.