محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قطاع الدولة الصناعي أكثر القطاعات الاقتصادية التي أثارت ومازالت تثير جدلاً واسعاً في الأوساط النقابية والاقتصادية، وهذا طبيعي، كون هذا القطاع الهام هو الدريئة التي جرى تصويب النيران الغزيرة عليها من جانب قوى السوق قبل الأزمة وأثناءها، وذلك عبر إجراءات جدية تجري بتسارع سواء عبر التشريعات والقوانين، أو عبر إجراءات على الأرض بالرغم من كل العويل الذي يطلق بأن إدارة عجلة الإنتاج لها الأولوية.
التاريخ الوطني المجيد للطبقة العاملة السورية، الذي صنعته بجدارة وجسارة، أكسب الطبقة العاملة الحصانة والمناعة في مواجهة دعوات التفتيت المختلفة، وهذا التكون التاريخي ليس شيئاً عابراً أو مؤقتاً أو تكتيكياً، بل هو جزء أصيل من مكونها الفكري والسياسي والثقافي والطبقي، وبهذا تكون الطبقة العاملة مدافعاً حقيقياً عن المصالح الوطنيه العليا، لأن لها في ذلك مصلحة عميقة تتوافق مع مصالحها العامة والخاصة، ولا يمكن أن تنحاز عنها، بل ستدافع عنها بكل ما تملكه من قوى وإمكانات، وما تملكه شيء كثير إن استطاعت تنظيم قواها، والخلاص من المعيقات التي تكبل حركتها.
منذ فترة من الزمن، أُعلن عن تشكيل لجانٍ من الوزارات المعنية بالإضافة لنقابات العمال، لتقديم اقتراحات لتعديل قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية، ولم ترشح عن هذه اللجان أخبار تفيد بطبيعة التعديلات المقترحة، حيث كان الأجدر بأن تطرح تلك التعديلات على النقاش العام بدلاً من احتباسها ضمن اللجان كما هو معتاد، لأن قوانين العمل ستمس الملايين من العمال والعاملين بأجر، ومن حق هؤلاء أن يشاركوا بما يرتب لهم، والذي سيكون تأثيره كبيراً على مصالحهم التي انتهكت عبر القوانين المعمول بها منذ سنوات لصالح قوى رأس المال وأرباب العمل، على مختلف مستوياتهم.
على ضوء الكلام والحديث الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى ضوء ما عرضه النقابيون، في اجتماع مجلسهم الأخير، عن ضرورة تحسين الوضع المعيشي للعمال، ومن في حكمهم، وأن الوضع المعيشي للمذكورين لم يعد يحتمل، وهم بحاجة لسند الحكومة لهم في تأمين متطلباتهم الضرورية التي تجعل إمكانية استمرارهم على قيد الحياة ممكنة، حيث بعض السادة الاقتصاديين في محاضراتهم ومنهم نائب المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية يقول إن: « 60- 70% من سكان سورية غير أمنين غذائياً، وأن تأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة يشكل تحدياً كبيراً يواجه ما يتجاوز حدود 80% من المجتمع السوري».
ضمن التحضير لانعقاد المجلس العام للنقابات، تقدم التقارير من قبل اتحادات المحافظات، والمكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، ويتم عرض القضايا النقابية والعمالية والاقتصادية، التي تعاني من صعوبات وتحتاج إلى حلول، وفي هذا السياق قدم المكتب التنفيذي تقريره العام وتضمن الوضع الاقتصادي، حيث عرضت في التقرير اقتراحات من أجل تحسين الوضع المعيشي للعمال، معتبراً إياها اقتراحات قابلة للتحقيق وستكون مساعدة في تحسين الوضع المعيشي للعمال، في ظل عدم إمكانية زيادة الأجور، كما تدعي الحكومة بسبب نقص الموارد.
الدورة النقابية الـ 26 تقترب من نهايتها، وهذا يضع على عاتق قيادة الحركة النقابية بالدرجة الأولى، وعلى كوادرها تقييم تجربة العمل النقابي بما لها وما عليها خلال الفترة المنصرمة من عمر الدورة الانتخابية السادسة والعشرين.
اجتماعات المجلس العام التي تعقد كل ستة أشهر، تُطرح فيها المداخلات من قبل أعضاء المجلس، ليصار الرد عليها من قبل الحكومة، والردود دائماً تكون مرفقة ب «سوف نعمل، وسنقوم بالدراسة، والمواضيع محط اهتمامنا» وهذه الكلمات التي باتت جزءاً أساسياً من قاموس الردود الحكومية كلما حضرت اجتماعاً للعمال، أو مؤتمراً، وهي تعني بمجملها: أن لا حلول تقدمها الحكومة للعمال، للقضايا التي يطرحها المداخلون من أعضاء المجلس، ويكون التسويف والمماطلة سيد الموقف على الرغم من الإشادة المستمرة ببطولات العمال، وتضحياتهم في كل مرحلة من مراحل الأزمة، وأن العمال يعملون بوطنيتهم وليس بأجرهم.
في كل عام وفي مثل هذا الوقت يبزغ يوم جديد على الطبقة العاملة في كل أصقاع المعمورة، مذكراً بنضالات العمال وصراعهم المرير مع الرأسمال العالمي من أجل حقهم بحياة كريمة في أوطانهم، وهذا ما لا يرغبه الرأسمال طواعية مما يعني، صداماً بين مصالح العمال ومصالح الرأسمال حيث أفضى ذاك الصدام وعلى مدار مئات السنين إلى تحقيق العمال الكثير من حقوقهم ومطالبهم المسلوبة، والتي يحاول رأس المال الهجوم عليها كلما سمحت الفرص له بذلك، مستخدماً في هجومه سياسة العصا والجزرة.
تركت الأزمة الوطنية العميقة ، آثاراً تدميرية على شعبنا، وتكاليف إعادة إعمار ما نتج عن هذه الكارثة باهظة، فقد قدرتها مصادر مختلفة بمئات المليارات من الدولارات، ويبدو أن وزارة السياحة ستبدأ من طرفها أولاً في إعادة الإعمار، من خلال ما تطرحه من مشاريع استثمار سياحي بلغت إلى هذا الوقت ما مقداره 178 مشروعاً سياحياً، وزعتها على محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث تبلغ قيم المشاريع المرخصة 842 مليار ليرة سورية، وهو رقم ليس بالقليل، سيكون استثماره وفقاً للتسهيلات التي تعلن عنها الحكومة عادةً من أجل جذب رأس المال الذي سيقوم بعملية الاستثمار في تلك المناطق المحددة له، والتسهيلات الممنوحة عادةً ما تكون بتسهيل دخول وخروج الأموال بما فيها الأرباح المحققة من عملية الاستثمار، وهذه الأموال دورانها سريع لا يحتاج لمدد زمنية طويلة، كما هو الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي الصناعي والزراعي، ولا يحتاج ليدٍ عاملةٍ كثيرة، كما هو الوضع في الصناعة والزراعة، ولا تخضع لقوانين العمل السوري كما يجب، ويريح بال الحكومة من أن تكون لها اليد الطولى في توظيف الأموال، في مشاريع تعمل على تخفيض نسب الفقر، والبطالة، وتكون عائديتها الأساسية لخزينة الدولة لتؤمن من خلالها الاحتياجات الأساسية، والمتطلبات الضرورية التي تحتاجها أغلبية الشعب السوري، من سكن، وهو قد ضرب أرقاماً قياسية في تكاليفه، ومن تعليم، ونسبة التهرب من التعليم عالية بسبب ضيق حال الفقراء وإضطرارهم لتشغيل أولادهم، ومن صحة، وقد حلقت تكاليف التداوي والعلاج في السماء، ولا قدرة للأغلبية من الفقراء على التداوي والعلاج، وشراء الدواء اللازم وغيره وغيره من القضايا التي لا مجال لذكرها.
عندما كنّا في المغترب، كان حديث والدي في المجالس والسهرات التي يجتمع فيها بعض السوريين من أصدقاء العائلة أيام العطل، حول ما كان يجري إبان الثورة السورية ومقاومة المحتل الفرنسي في الحارات، وبعض الشوارع، من أعمال بطولية كنصب الكمائن وإخفاء الثوار، أو تهريبهم عبر أسطح المنازل، وغيرها الكثير من الأعمال، والأهم في الحديث: كيف كانوا يحتفلون بعيد جلاء المستعمر واندحاره عن وطننا فيقول:« كنا نحمل حالنا ونروح على الملعب البلدي لنشوف الاستعراض العسكري وسباق الخيل» أي: كان الاحتفال بهذا اليوم العظيم هو احتفال شعبي، ويعبر عن إرادة وموقف شعبنا في أن تتخلص من كل أشكال الاستعمار المباشر وغير المباشر، وشعبنا بهذا العمل الوطني قد استخدم أشكال المقاومة كافة، ومنها: المظاهرات والإضرابات التي كان يشارك بها أغلبية الناس الذين لهم مصلحة حقيقية في الخلاص من المستعمر، طلاباً وعمالاً وفلاحين وبرجوازية وطنية، بالإضافة إلى المقاومة المسلحة.. إلخ.