بصراحة: مكافحة مين يا عمي؟
أشيع عبر وسائل الإعلام ومنها: وسائل التواصل الاجتماعي، عن نية الحكومة في مكافحة الفساد، وأنها وضعت الخطط الكفيلة بإنجاز هذه المهمة أي: «الفساد» الذي استشرى إلى الحد الذي بات يشكل خطراً فعلياً على أن يحصل الفقراء على لقمة عيشهم التي تقيهم شر الموت جوعاً .
الفساد الكبير تطور وتمدد بفعل تشريعات وسياسات، وبالتالي مكافحته أيضاً تكون بفعل قرار سياسي واقتصادي، وليس بقرار إداري تصدره الحكومة وتعلن عن نيتها بمكافحته كما تقول، والذي يجعلنا نعيد موقفنا من مكافحة الفساد هو أنه في وقت سابق جرى الإعلان عن مكافحة الفساد تحت شعار« من أين لك هذا» ولكن ذهبت تلك التوجهات أدراج الرياح وتطورت فيها قوى الفساد وتطورت أدواتها ومركزت بين أيديها ثروات هائلة جعلت لها وزناً اقتصادياً وسياسياً لا يمكن الخلاص منه بالوسائل الإدارية المطروحة، إن كان هناك فعلاً إرادة المواجهة مع تلك القوى، والمواجهة معها تتطلب إشراك أصحاب المصلحة المتضررين وهم أغلبية الشعب السوري، وهذا يعني: أن تمتلك الحكومة لبرنامج سياسي اقتصادي منحاز لمصلحة الفقراء من الشعب، وهو ما لا تستطيع فعله كونها متبنية لبرنامج الليبرالية الاقتصادية والداعمة لقوى رأس المال بشكل أساسي عبر القوانين والتشريعات التي تسهل من حركته وتشرعن نهبه الكلي للاقتصاد الوطني، ومن خلال تحالفاته عالية المستوى مع مراكز قوى في جهاز الدولة الأمر الذي يعني: أوسع تشارك بين الطرفين في نهب الثروة التي تنتجها الطبقة العاملة وكل العاملين بأجر، وحتى البرجوازية الصغيرة المعتمدة على إنتاجها الحرفي قد نالها الشيء الكثير من الأضرار التي سببتها لها تلك السياسات، ويمكن أن نضرب مثلاً يدلل على ما نقوله، وهو: ما جرى مع الحرفيين في الغوطة الشرقية والغربية من عمليات إفلاس وإغلاق لمنشآتهم بسبب السماح باستيراد المواد التي كانوا ينتجونها وتسببت بتحويل الآلاف منهم إلى عاطلين عن العمل.
إن مكافحة الفساد الكبير تحتاج إلى منسوب مرتفع من الحريات الديمقراطية والسياسية تمكن أصحاب المصلحة الحقيقيين من الدفاع عن مصالحهم واسترداد الثروة المنهوبة، لاستثمارها في مشاريع تحقق أعلى نسب نمو تؤمن الحاجات الأساسية للفقراء من تعليم وسكن وصحة وغيرها من الحاجات التي افتقدوها بفعل النهب الواسع.