الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ
أكثر القضايا عرضة للمخالفات الدستورية، والتي كانت آثارها موجعة هي: القضايا المتعلقة بمصالح وحقوق الفقراء، ومنهم: العمال الذين كان وقع الأزمة عليهم شديداً، ومع هذا فإن «الناطقين» المفترضين باسمهم تحت قبة البرلمان وغيرها من المواقع يغضون الطرف عن قضاياهم، وخاصة مستوى معيشتهم الذي وصل إلى مستويات لا يُسَرُّ منها العدو ولا الصديق، وهي استحقاق دستوري بامتياز حمّل الحكومات مهمة تطبيقه وتنفيذه، وهذا ما لم تقم به تلك الحكومات المتعاقبة، بل ذهبت بعيداً في اتخاذ الإجراءات الكفيلة على إدامة فقرهم وتعتيرهم، وفي هذا السياق لم نر من يمارس دوره الرقابي التشريعي من أجل محاسبة الحكومات على فعلتها، باعتبارها مكلفة دستورياً في تأمين فرص العمل ومستوى معيشي كريم.
وعلى سيرة الوضع المعيشي للمعترين جميعاً عمالاً وفلاحين وحرفيين ومهمشين وأبناء السبيل وغيرهم، وعلى سيرة أن الحكومة تبدع بحلولها لجهة تخليص الناس الذين تم ذكرهم من محنتهم بأن ينتظروا «فرج الله» القادم مع اقتراح الحكومة القاضي بتأمين فرص عمل بدلاً لزيادة الأجور، حيث يبدو أنه هو الحل الذي سيخلص الحكومة من مأزق «النّق» عليها من النقابات وغير النقابات بضرورة أن تزيد الأجور، ولكن لم تقل لنا الحكومة بسياق عرضها علينا زيادةً لفرص العمل: كيف ستؤمن تلك الفرص لملايين العاطلين والمعطلين عن العمل؟ أليس تأمين فرص العمل يحتاج إلى استثمارات كبيرة؟ يعني: يحتاج إلى موارد تقول الحكومة بأنها لا تملكها بالقدر الكافي لزيادة الأجور، فكيف ستؤمنها للاستثمار الذي سيؤمن فرص عمل؟ أم أن تأمين فرص العمل يكون بما سيأتي للبلد من استثمارات المحسنين في المشرق والمغرب، وعندما يأتون للاستثمار، ألن تكون لهم حساباتهم الاقتصادية والسياسية والمردود الذي سيحصلون عليه سياسياً واقتصادياً؟ لأنه ليس هناك شيء لوجه الله في عالم رجال الأعمال والاستثمار، وكل شي بحسابه «وحكلي لحكلك».
أيها «السادة» الشعب السوري بأغلبيته الفقيرة قد خبر سياساتكم وما جرته عليه من ويلات وظلم، وجعلته يهيم على وجهه في أركان المعمورة باحثاً عن مأوى يستظل تحته، وعن فرص عمل لم يستطع أن يجدها في موطنه، واليوم تَعِدونه بما هو فاقد له و«عمتعملوا له البحر طحينه» مع أن الطريق إلى خلاص الناس من أوضاعهم التي يعيشونها، أو على الأقل تحسينها، بَيِّنٌ وواضح، وهو: جيوب من سرقوه وحرموه من حقه، فيما ينتجه من ثروةٍ جرى الاستيلاء عليها بأشكال وألوان يخبرها أصحاب الحل والعقد!