محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يَعرِفُ مَن يصنعون ويطبّقون السياسات المضرّة بمصالح وحقوق شعبنا، وكذلك العمال في بلدنا، أنَّ العدوَّ الحقيقي لسياساتهم، والقوة الأكثر قدرة على الوقوف في وجههم وفضح برامجهم، ولجم سياساتهم إنْ أتيحت لها الفرصة، وتوفَّر لها المناخُ المناسب - هي الطبقة العاملة. لذلك يبذل هؤلاء كل ما بوسعهم في سبيل عدم امتلاكها لناصية القرار المطلوب، وإبقائها في حالة عجز غير قادرة على القيام بأيّ فعل حاسم للدفاع عن نفسها وحقوقها.
كثيراً ما كتبنا في جريدة قاسيون عن أوضاع الطبقة العاملة من حيث أجورها المتدنيّة جدّاً، وكثيراً ما كتبنا عن مجمل حقوقها المسلوبة بقوة الهيمنة وقوة القمع وقوة القوانين التي فُصِّلَتْ على مقاس قوى النهب لمنتوج عملها، والآن نرصد تحركاتها المختلفة بعد قرارات الفصل وإغلاق العديد من معامل القطاع العام وإرسال عمالها إلى الشارع لينضموا إلى جيش العاطلين عن العمل المتزايد عددهم مع تزايد تلك القرارات الجائرة بحقهم وحق معاملهم.
لعبت القرارات الصادرة في عهد الوحدة السورية المصرية المتعلِّقة بالحركة النقابية والطبقة العاملة دوراً مهمّاً في احتواء الحركة، ومصادرة دورِها المستقل، وتجريدها من عناصر القوة التي اكتسبتها الحركة في مجرى نضالها السياسي الوطني والطبقي، في مواجهة القوى الطبقية الأخرى المعبرة سياسياً عن مصالح الطبقة المهيمنة اقتصادياً.
الصراع كان واضحاً إلى حدٍّ ما بين قوة العمل الفتيّة وقوّة رأس المال الفتيّة أيضاً، استخدمت فيه الحركة النقابية والطبقة العاملة كلَّ الأسلحة السِّلمية المشروعة، من أجل انتزاع حقوقها السياسية والاقتصادية، التي عملت قوة رأس المال على حرمان العمال منها بقوة القانون أحياناً، وبقوة القمع أحياناً أخرى، ولكن هذا الصراع أكّد جملة من القضايا الهامّة التي مكّنت الحركة النقابية والعمّالية من انتزاع العديد من المطالب والحقوق وهي:
- أنّ قوتها في وحدتها التنظيمية.
- استقلالية قرارها التام عن الأحزاب والهيمنة المفروضة.
- وضوح مطالبها، ومواقفها الوطنية العامة والخاصة.
- تبنّيها وممارستها لحقّها الشرعي بالإضراب والاعتصام والتظاهر السلمي.
هذه القضايا مجتمعة جعلتها قوة أساسية في حياة البلاد السياسية والاقتصادية، مما يعني شدَّ الانتباه نحوها بضرورة احتوائها من قبل القوى البرجوازية السياسية منها والاقتصادية، ولكن تلك القوى فشلت إلى حدٍّ ما في عملية الاحتواء، كون الحركة النقابية موحَّدة المواقف والأفعال، وهذا الأمر كان مهمّاً لكي تنتزع الحركة النقابية والطبقة العاملة استقلاليّة قرارها وموقفها.
اليوم وكأنَّ التاريخ يعيد نفسَه، مع اختلاف الظروف السياسية وموازين القوى بين السابق واليوم، من حيث محاولة الهيمنة على الحركة النقابية، وهي بأسوأ حالاتها التنظيمية لما فعله النظام السابق لعقود من الزمن بواقع الحركة تنظيمياً، وبدورها المفترض؛ حيث جرى حالياً تنصيب رئيسٍ للاتحاد العام بقوّة الأمر الواقع وخارج قانون التنظيم النقابي، الذي ينصُّ في مواده على وجوب إجراء انتخابات من القاعدة إلى القمّة، وهذا ما لَم يحدث، وهو يتعارض مع قوانين العمل الدولية، ومبادئ الحريات الديمقراطية النقابية، رغم محاولة «رئيس الاتحاد الجديد» مخاطبة المنظمات الدولية النقابية من خلال رسالة موجَّهة إليهم مؤكّداً على التزام النقابات في سورية بالمواثيق الدولية وبالعلاقات معها.
إنَّ أحدَ أسباب ضعف المواجهة مع قرارات الهيمنة، وقرارات التسريح التعسفي للعمّال، كان وما زال احتواء الحركة النقابية، وإخراجها من دائرة الفعل المقاوِم للسياسات الليبرالية السابقة والحالية التي يعاد إنتاجها.
المطلوب خارطةُ طريقٍ للحركة النقابية، قاعدتها الأساسية الطبقة العاملة السورية من أجل حماية حقوق العمّال السياسية والديمقراطية، والدفاع عن مستوى معيشتهم بزيادة أجورهم زيادةً حقيقية.
الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية منذ بدء الأزمة لها نصيب مهم في تضييق الخناق على شعبنا، من حيث تَوفُّر المواد الأساسية التي يحتاجها في غذائه اليومي، ودوائه ليعالج أمراضه المختلفة، وحاجاته الأخرى من كهرباء ومشتقات نفطية، ومواد أولية لتقلع عجلة إنتاج المعامل والمشاغل الحرفية. وما كان هذا ليحدث لولا السياسات الانفتاحية مع الغرب للسلطة السابقة، ممّا أدى إلى ربط الاقتصاد السوري برمّته «تقريباً» مع هذه الأسواق، الأمر الذي جعل الاقتصاد الوطني يتأثر تأثراً خطيراً بالحصار الجائر الذي ما زال مفروضاً، وبالتالي انعكاسه المباشر على قدرة الفقراء على تأمين الحاجات الضرورية لهم؛ من غاز ومازوت وغيرها من الحاجات الأخرى، التي أصبح تأمينها يشكّل عبئاً مضافاً إلى الأعباء الأخرى التي يعاني منها شعبنا، وخاصةً الفقراء، وهم المكتوون بنار الأسعار المتحكَّم بها من كبار الفاسدين والمحتكرين المسيطرين على الأسواق ومخازن البضائع، وهذا الفعل الشائن يصبُّ في طاحونة الحصار ويكمله، من حيث النتائج المراد الحصول عليها.
يَعرِفُ مَن يصنعون ويطبّقون السياسات المضرّة بمصالح وحقوق شعبنا -وكذلك العمّال في بلدنا- أنَّ العدوَّ الحقيقي لسياساتهم المضرّة، والقوة الأكثر قدرة على الوقوف في وجههم وفضح برامجهم، إنْ أتيحتْ لها الفرصة وتوفَّر لها المناخ المناسب، هي الطبقة العاملة.
إنّ الأجور هي أكثر القضايا التي يجري التداول بشأنها في مواقع العمل، وفي الشارع، وفي الجلسات الخاصة والعامة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وبين جميع العاملين بأجر. فالأجور بالنسبة لهؤلاء قضية حياتية مرتبطة إلى أبعد حد بمعيشة العمّال وعائلاتهم، لتأمين حاجاتهم الضرورية، التي تمكنهم من تجديد قوة عملهم المنهكة إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، خاصةً بعد الإعلان المتكرّر من قبل حكومة تصريف الأعمال عن عزمِها زيادةَ الأجور للموظَّفين والعمّال القائمين بأعمالهم فعلاً، كما ستصنفهم ضمن المخصَّصين بزيادة 400% من الأجر، وهذه الخطوة المنوي العمل عليها ستقتَرِنُ بإخراج ما يقارب 300 ألف عامل وموظَّف، كما جرى التصريح بذلك، للانضمام إلى جيش العاطلين عن العمل، الذي هو أصلاً مليءٌ بالعاطلين، وتشهد على ذلك الشوارع المكتظّة بالبسطات وغيرها من أعمال البيع الأخرى.
يتوالى تباعاً ارتفاع لهيب الأسعار بسبب الإجراءات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال بأنْ ألغت ما تبقى من فتات الدعم بجرّة قلم، دون النظر إلى الواقع المعيشي الذي يعيشه الفقراء عموماً، ومنهم العمال. ويبدو أنّ هذا اللّهيب مستمرٌّ ولا رادَّ له طالما تلك الإجراءات مستمرّة، وكذلك بقاء الناس على حالهم؛ بين الدعاء بالفرج وبين شتم مَن كان السبب في أزمتهم، فالأزمات مستمرّة وممتدّة ابتداءً من رغيف الخبز وليس انتهاءً بقطرة الماء التي يحاولون الحصول عليها بشقّ الأنفس.
تطورات الوضع السياسي التي جرت في بلادنا وما تبعه من توجهات للسلطة الجديدة تجاه المنظمات الشعبية، بما فيها النقابات العمّالية، أرخَتْ بظلالها على مجمل العمل اليومي الذي كانت تقوم به النقابات. وهو عمل بسيط لا يرقى سابقاً إلى مصافِّ حقوق العمال التي غُيِّبَت بفعل القوانين الجائرة وبفعل الهيمنة والتحكّم بقرارات الحركة النقابية ممّا جعلها مشلولة وغير قادرة على الفعل، ولا حتى القول، تجاه ما يجري بحق الطبقة العاملة.
كثيراً ما كتبنا في جريدة قاسيون عن أوضاع الطبقة العاملة من حيث أجورها المتدنيّة جدّاً، وكثيراً ما كتبنا عن مجمل حقوقها المسلوبة بقوة الهيمنة وقوة القمع وقوة القوانين التي فُصِّلَتْ على مقاس قوى النهب لمنتوج عملها. وكنا نؤكّد في كتاباتنا الموجهة للطبقة العاملة ولكل العاملين بأجر بأنّ الطبقة العاملة السوريّة لن يتغيّر حالُها طالما بقيت ممسوكةً من اليد التي توجِعُها، ونعني بذلك قدرتها على تنظيم نفسها وقدرتها على ردّ العدوان عليها، من خلال تلك الأدوات التي فُرِضَتْ عليها ولم تستطعْ كسرَها أو إبعادَها أو تحييدَها، ممّا جعلها خاصرةً رخوة جعلت العدوّ الطبقي يتمكّن من السيطرة على حقوقها.
الفقراء في أسوأ حالاتهم، يعيشون قهراً مزمناً بسبب أشياء كثيرة ومنها الوضع المعيشي المتدنّي جدّاً، والذي يسوء يوماً بعد يوم، فالجميع واقعٌ في حيرةٍ من أمره، كيف سيتدبّر معيشة يومه، سواء كان يعمل بأجر أو حِرفيّاً أو عاطلاً عن العمل. والأخير وضعه لا يحسد عليه!