محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ما زالت الحكومة تتحفنا كل يوم بقرارات «خنفشارية» غير مسبوقة تتجرّأ بها علينا بتعالٍ واستقواء، ولا نجد ما نصفها به إلّا أنّها قرارات معادية للطبقة العاملة وسائر الكادحين وأصحاب الأجور والمنتجين أيضاً، ضاربة بعَمدٍ وإصرار آخرَ ما تبقّى من فُتات الموائد والحياة. فمن «تخبيصات» الضريبة على الأجور لأسعار الخبز والمحروقات والمواصلات، إلى الكلفة الجديدة للكهرباء المنزلية والصناعية التي كانت بمثابة رصاصة الرحمة لعليل أو كسيح، قرارات حيكت في أوراق النيوليبرالية ومن دفاتر صندوق النقد الدولي البغيض، ومُهِّدَ لها بوابل من التصريحات التمهيدية على لسان السلطة «من صغيرها لكبيرها»، مدعومة بالمنشورات الفيسبوكية والمهرجانات والشعارات والحملات والمَعارض وغيرها من الدخان الكثيف الموظَّف لتعتيم المشهد والإجراءات والنتائج اللاحقة لها.
يرتفع مستوى الحراك العمالي في العالم، وخاصة في الغرب وأمريكا، من خلال أشكال متعددة من الممارسة على الأرض (مظاهرات - إضرابات - اعتصامات...إلخ) يقوم بها العمال، وذلك استناداً إلى مستوى الحريات السياسية والديمقراطية النسبي السابق، والذي يتغير الآن، وإلى درجة التنظيم وقوة الحركة النقابية الجديدة، التي تتكون في مجرى الصراع الدائر مع قوى النهب من أجل انتزاع حق الطبقة العاملة في التعبير بالطرق والأشكال التي يعبر فيها العمال عن مصالحهم وحقوقهم، وفي مقدمتها حقهم في توزيع عادل للثروة التي ينهبها لصوص القيمة الزائدة، مدعومين بقوانين تثبت لصوصيتهم وتجعل حياة العمال في أسوأ حالاتها، وغرباءَ عن إنتاجهم المجبول بعرقهم ودمائهم.
ترتفع وتيرة التصريحات التي يطلقها المسؤولون عبر وسائل الإعلام المختلفة، بتحسين الوضع المعيشي لعموم الفقراء، ومنهم العمال، استناداً بشكل أساسي على ما سيأتي من مساعدات وهِبات من الدول المختلفة، وخاصة دول الخليج، بالإضافة لعدد من الإجراءات، منها: خفض الأسعار، وتعديل التعويضات المختلفة للعمال، وتعديل الحوافز الإنتاجية. وجرى التشديد على ذلك من قبل النقابات في اجتماعاتها المختلفة، وفي المذكرات التي أرسلتها للحكومة. ولكن لم يَنلِ العمالُ من كل تلك الجهود المتواضعة التي قامت بها النقابات والوعود التي أطلقتها- خاصة أثناء الوقفات الاحتجاجية التي قام بها العمال، احتجاجاً على تسريحهم- أيَّ شيء يذكر، وبقي الحال على ما هو تقريباً، بالرغم من الزيادة الأخيرة على الأجور، بل أخذ يسير نحو الأسوأ، وبقيت الأمور في إطار القول لا الفعل، لأنّ القاعدة الإنتاجيّة الأساسية التي يمكن أن تغيّر واقع العمال إلى حالٍ أفضل، أي المعامل، مصابةٌ بالشلل، أو التعطّل الكامل سواء في القطاع العام أو الخاص، فكلاهما تتدهور أوضاعهما.
لعبت القرارات الصادرة في عهد الوحدة السورية المصرية المتعلقة بالحركة النقابية والطبقة العاملة دوراً مهماً في احتواء الحركة، ومصادرة دورها المستقل، وتجريدها من عناصر القوة التي اكتسبتها في مجرى نضالها السياسي الوطني والطبقي، في مواجهة القوى الطبقية الأخرى المعبرة سياسياً عن مصالح الطبقة المهيمنة اقتصادياً.
تعلن الجهات الرسمية وغرف الصناعة في المحافظات المختلفة مراراً وتكراراً أنّ الإنتاج وتحسينه من أولويات عملها، وسوف تسعى بما أوتيت من قوة وما أوتيت من موارد لتحقيق هدف زيادة الإنتاج وتطويره، سواء عبرها مباشرةً أو عبر شركاء محليين وغير محليين. وتعقد تلك الجهات الاجتماعات والندوات، وتشكل مجالس الأعمال مع شركائها في الدول الأخرى، وتوقّع مذكّرات التفاهم، ويتم إصدار العديد من القوانين التي تنص على الاستثمار في الجانب الإنتاجي الصناعي والزراعي، والآن في الطاقة الكهربائية «الطاقة البديلة والمتجددة» كما يقال عنها.
كثيراً ما كتبنا عن أوضاع الطبقة العاملة من حيث أجورها المتدنيّة جدّاً، وكثيراً ما كتبنا عن مجمل حقوقها المسلوبة بقوة الهيمنة وقوة القمع وقوة القوانين التي فُصِّلَتْ على مقاس قوى النهب لمنتوج عملها. وكنا نؤكّد في كتاباتنا الموجهة للطبقة العاملة ولكل العاملين بأجر بأنّ الطبقة العاملة السوريّة لن يتغيّر حالُها طالما بقيت ممسوكةً من اليد التي توجِعُها، ونعني بذلك قدرتها على تنظيم نفسها وقدرتها على ردّ العدوان عليها، من خلال تلك الأدوات التي فُرِضَتْ عليها ولم تستطعْ كسرَها أو إبعادَها أو تحييدَها، ممّا جعلها خاصرةً رخوة جعلت العدوّ الطبقي يتمكّن من السيطرة على حقوقها.
الفقراء في أسوأ حالاتهم، يعيشون قهراً مزمناً بسبب أشياء كثيرة ومنها الوضع المعيشي المتدنّي جدّاً، والذي يسوء يوماً بعد يوم، فالجميع واقعٌ في حيرةٍ من أمره، كيف سيتدبّر معيشة يومه، سواء كان يعمل بأجر أو حِرفيّاً أو عاطلاً عن العمل. والأخير وضعه لا يحسد عليه!
يتبيَّن الصراع منذ فترة ليست بالقصيرة ويتوضح أكثر بين رأس المال وقوة العمل، في المعارك الطبقية الدائرة رحاها في الساحات الأوروبية، من أجل كسر حالة الاستغلال التي يمارسها رأس المال، على طريق إزالته في حال توفرت الظروف والعوامل المُواتية لعملية الإزالة تلك. وأهمها وجود قوى ثورية قادرة على رؤية المتغيرات الجارية في ميزان القوى على كل الأصعدة، وبالتالي وضع برامجها على أساس تفسير صحيح للواقع من أجل تغييره، وهذا يستند بشكل أساسي إلى قوة تنظيم الطبقة العاملة.
من المؤكَّد أنَّ البطالة وما ينتج عنها والأجور الضعيفة وما ينتج عنها من أكثر القضايا التي يجري تداولها على ألسنة من يبيعون قوّة عملهم، سواء العضلية منها أو الفكرية. فهنا لا فرق بين الاثنتين من حيث النتيجة النهائية، وهي ضرورة تحسين الوضع المعيشي، تحسيناً يتناسب مع غلاء الأسعار التي تقفز الآن قفزات متسارعة لا يمكن للأجور الحالية إدراكها، أو الوصول إلى حاله قريبة منها على الرغم من الزيادة الأخيرة على الأجور، مما يعني استمرار الحال على ما هو عليه من بؤس وحرمان للعاملين بأجر، ما يعني تعزيز انقسام المجتمع إلى فريقين أساسيين ناهبين ومنهوبين، يجري الصراع بينهما.
منذ سقوط النظام واستلام زمام الأمور من قبل حكومة تصريف الأعمال، كانت الخطوات الأولى لهذه الحكومة هي إعادة النظر بواقع العمال السوريين من حيث هيكلة وجودهم في أماكن عملهم. وهذه الهيكلة أو إعادة الترتيب، من وجهة نظر الحكومة السابقة، للتخلص من فائض العمالة، وخاصة أولئك العمالُ المعيَّنون على أساس أبناء الشهداء أو زوجاتهم، وغيرهم من العمال الذين صنَّفتهم على أساس فائض عمالة. طالت هذه الإجراءات كلَّ مواقع العمل الإنتاجية منها والخدمية والتعليمية، حتى بتنا أمام كارثة حقيقية مسَّتْ مئات الآلاف من الأسر التي أصبحت بلا مورد تعتاش منه، رغم ضآلة تلك الموارد التي كانوا يحصلون عليها.