العمال محتارون بين الأسعار والأجور
يتعرض العمال الموسميون إلى هزات عنيفة عند نهاية كل موسم إنتاجي، وما نقصده بالعمال الموسميين: العمال في القطاع الخاص الذين يعملون في الإنتاج لموسم واحد شتوي أو صيفي في المشاغل الحرفية، المنتشرة في الأقبية في أحزمة الفقر التي تحيط بالعاصمة وما أكثرها! وأماكن أخرى لا ترى الضوء ولا يمر بها الهواء، وبعدها يذهبون إلى منازلهم بانتظار موسم جديد. وهؤلاء العمال مجردون من كل الحقوق سواء بزيادة الأجور أو حقوقهم في أن يكونوا منتسبين للتأمينات الاجتماعية، وكذلك المظلة النقابية التي لا تظلهم بظلها فهم غير منظورين بالنسبة لها.
الآن يبدأ موسم جديد مع انقضاء موسم الشتاء، بدأ العمال الموسميون بالعمل منذ فترة من أجل إنتاج ما يحتاجه فصل الصيف، من ألبسة وغيرها، وتعود مع عودتهم إلى العمل دورة المعاناة مرة أخرى، معاناتهم في أجورهم التي لا تسد الرمق، خاصة مع موجات ارتفاع الأسعار التي اجتاحت البلاد والعباد، حيث التسعير يكون على أساس ارتفاع أو هبوط سعر الدولار بالنسبة لليرة السورية.
في أحد معامل الألبسة في المنطقة الصناعية حدثني عامل يعمل في هذا المعمل، وهو عامل موسمي كما صنفناهم سابقاً، أي يتقاضى أجره الشهري أو في أحسن الأحوال يعمل على القطعة الواحدة المتفق عليها مع رب العمل، ولكن ما أدراكم ما هو هذا الراتب الذي يعمل به قرابة الـ 12 ساعة يومياً وما هي أجرة القطعة التي ينتجها العامل.
حدثني هذا العامل الذي يقطن في منزل بالإجار ولديه عائله مكونة من أربعة أفراد، بأن العمال في المعمل قد طالبوا رب العمل بزيادة أجورهم باعتبار موجات الغلاء المتتالية قد أزهقت أجورهم وجعلتها هباءً منثوراً، ومطلبهم بزيادة الأجور مطلب حق، ولكن هذا الحق يحتاج إلى من يحميه ويدافع عنه والعمال بهذه المواقع لا حول لهم ولا قوة، وفق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين الذي جاء في قانون العمل رقم 17.
كان رد رب العمل كالصاعقة على العمال المطالبين بزيادة أجورهم حيث قال لهم زادت أسعار المازوت، وهذا زاد تكاليف الإنتاج والكهرباء اللازمة لتشغيل الآلات مكلفة أيضاً بسبب شراء المازوت من السوق وهو غير مدعوم بالنسبة لنا، وزادت أسعار الخيوط المستعملة في نسيج التريكو، والضرائب مرتفعة... كل هذه المبررات التي هي واقعية ولكنها في النهاية تأتي كداعم لرب العمل في عدم زيادة الأجور للعمال، ولكن العمال المكتوين من أجورهم التي لا تسد الرمق والمكتوين بارتفاعات الأسعار ردوا عليه بكلام فيه حق وفيه منطق بأن «التكاليف التي ذكرتها تحملها على أسعار المنتج، وأنت تصدر إنتاجك إلى الخارج، ولم يتأثر ربحك بكل تلك التكاليف بينما معيشتنا تتأثر بشكل كبير، ولم نعد نحتمل ما وصلنا إليه من وضع لا يسرّ العدو فكيف بالصديق»، فكان الجواب صاعقاً أيضاً حيث قال: «الباب بيفوت جمل، واللي ما عجبته الأجرة الله معه في غيركم كتير بدهم يشتغلوا».
هذا هو حال عشرات الآلاف من العمال المسلوبة حقوقهم بفعل قوانين السوق الجائرة، وبفعل عدم تنظيم قواهم التي هي السبيل الوحيد لانتزاع حقوقهم، بما فيها أجور عادلة تؤمن لهم حياة كريمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000