محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كثيراً ما ردّد المسؤولون الحكوميون على مسامع الكوادر النقابية في الاجتماعات التي تحضرها الحكومة عبارة «النقابات متواجدة في كل مواقع اتخاذ القرار»، وأنها مسؤولة عن تلك القرارات المتخذة مثلها مثل الحكومة والإدارات، فالتمثيل النقابي يشمل مجالس إدارة المؤسسات والشركات ومجلس الشعب واللجنة الاقتصادية العليا وقيادة الجبهة وغيرها من المواقع التي تتخذ فيها القرارات، أي إن الحركة النقابية شريك كما هو مفترض في كل ما يجري في البلاد لانتشار ممثليها في المواقع التي ذكرت أعلاه، وهذا الانتشار التمثيلي من المفترض أيضاً أن يحمّلها عبئاً ومسؤوليات استثنائية كونها تمثل مصالح وحقوق أكبر طبقة في البلاد.
من المؤكد أن الأجور من أكثر القضايا إلحاحاً، ومن أكثر القضايا التي يجري تداولها على ألسنة من يبيعون قوة عملهم، سواء العضلية منها أو الفكرية. فهنا لا فرق بين الاثنتين من حيث النتيجة النهائية، وهي ضرورة تحسين الوضع المعيشي، المتناسب مع غلاء الأسعار، التي تقفز الآن قفزات متسارعة لا يمكن للأجور الحالية إدراكها، أو الوصول إلى حالة قريبة منها، مما يعني استمرار الحال على ما هو عليه من بؤس وحرمان للعاملين بأجر، ويعني انقسام المجتمع إلى فريقين أساسيين ناهبين ومنهوبين، يجري الصراع بينهما.
يتوالى تباعاً ارتفاع لهيب الأسعار بسبب السياسات الاقتصادية والسياسية، ويبدو أن هذا اللهيب مستمر ولا رادّ له طالما تلك السياسات مستمرة، وكذلك بقاء الناس على حالهم؛ بين الدعاء بالفرج وبين شتم مَن كان السبب في أزمتهم، فالأزمات مستمرة وممتدة ابتداءً من رغيف الخبز وليس انتهاءً بقطرة الماء التي يحاولون الحصول عليها بشق الأنفس والتي يعلن عنها في كل المحافظات.
المنحنى البياني للوضع المعيشي يسير بتسارع عجيب نحو الجوع الذي أصبح واقعاً يعيشه الفقراء من شعبنا العنيد، بسبب ارتفاعات الأسعار اليومية التي تزيد من معاناتهم، وتجعل حصولهم على الحد الأدنى مما يحتاجون من غذاء ونقل ودواء وأجرة سكن، وغيرها من الحاجات التي لا يمكن الاستغناء عنها، بحكم الصعب جداً جداً، وعلى حساب الكثير من المتطلبات الضرورية التي يجري الاستغناء عنها كلياً أو جزئياً.
عدم الرضا الواسع والمزاج والوضع العام لدى الفقراء هو في أسوأ حالاته، بسبب الوضع المعيشي المتدنّي جداً، والذي يسوء يوماً بعد يوم، فالجميع واقع في حيرة من أمره، كيف سيتدبر معيشة يومه وكيف سيدفع أجرة منزله الذي يُؤويه وأطفالَه، سواء كان يعمل بأجر أو حِرفيّاً أو عاطلاً عن العمل؟ والأخير وضعُه لا يحسَد عليه!
بين الفترة والأخرى، يتصاعد الجدل حول قضية هامة لها أبعادها الاجتماعية والسياسية، وهي: هل ستزيد الحكومة الرواتب والأجور للعمال بشكل يغطي الحد الأدنى لمستوى المعيشة؟!
إنّ أيّ قانون أو تشريع يكون معبّراً عن موازين القوى، وعن قدرة كلّ قوة على التعبير عن مصالحها التي يتضمّنها القانون المراد إصداره، والعمل وفقه، حيث تُخضِعُ الطبقة المهيمنة اقتصادياً وسياسياً الطبقات الأخرى لقانونها بفعل عوامل متعددة؛ منها حرمان الطبقات المنهوبة مِن إمكانية الدفاع عن مصالحِها المفترضِ تمثيلُها بالقوانين، حتى وإنْ تناقض ذلك أو تعارض مع مصالح هذه الطبقات الأساسية، وانعكس ضرراً على حقوقها. فهذا الضّرر الذي يحدثه القانون بمصالح الطبقات يحرمها من إمكانية الدفاع عن نفسها.
التقيتُ بعاملٍ متقاعد وهو خرّيج معهد متوسّط أمضى ما يقارب الـ 34 عاماً في العمل، وبعدها أصبح متقاعداً بتعويض شهري يقارب الـ 300 ألف ليرة سورية بعد الزيادة الأخيرة التي طرأت على الأجور. يخرج من بيته باكراً ويعود مساءً لتأمين كفاف يومه وحاجة أسرته، حيث قال: «أنا أقبض 300 ألف ليرة كمعاش تقاعدي ماذا أعمل بهم وكم يوماً تكفيني بالله عليك أجبْني؟». لم أكمل جوابي له عن سؤاله لأنه تابع قائلاً: «لا تكفي سوى أيام لهذا أنا مضطرٌّ غصباً عني إلى البحث عن عمل آخر يؤمّن لي ولعائلتي بعض ما نحتاجه».
إذا انطلقنا من الأوضاع المعيشية الكارثية للطبقة العاملة، التي أنتجتها السياسات الاقتصادية الحكومية من جهة، وممارسات قوى المال الاحتكاري الفاسد من جهة أخرى، بالإضافة إلى سنوات الأزمة الوطنية الشاملة، تزداد الحاجة والضرورة لموقف عمّالي منظَّم وشامل وموضوعي للواقع المعاش بكل تفاصيله، ليرسم مسار الطبقة العاملة، من أجل أن يتوافق مع حجم القضايا المطلوب حلّها من وجهة مصالحها الأساسية، الاقتصادية والإنتاجية والحقوقية.
إذا قمنا بمتابعة واسعة لواقع الطبقة العاملة وما قُدِّمَ باسمها من مطالب خلال المؤتمرات النقابية التي عقدت في بداية هذا العام، وما قُدِّمَ من مذكّرات سطّرتها اجتماعات المجلس العام لنقابات العمال، نجد أن تلك المطالب لم يتغير من أمرها شيء، وفي مقدّمتها تحسين الوضع المعيشي للعمال الذي أصبح في أسوأ حالاته، حتى بعد الزيادة الأخيرة على الأجور، مع تردي الوضع الإنتاجي، الذي يتراجع تراجعاً خطيراً تكاد تفقد فيه الصناعة كلَّ مقوّمات استمرارها، ناهيك عن تطوّرها.