محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يعاني الحرفيون المنتشرون في الأحياء والبلدات، وبمختلف مهنهم، الكثير من الصعوبات في تأمين لقمة عيشهم وتأمين متطلبات أطفالهم وأولادهم صغاراً وكباراً. والمعاناة التي نتحدث عنها هي مرويّة على ألسنة أصحابها، وهم الأصدق في معرفة أحوالهم المعيشية والمهنية التي يتعرضون لها مع مطلع كل نهار. جرى حديث معهم في ورشهم وقالوا الشيء الكثير الذي سنذكر بعضه، والذي يلخّص حصيلة قهرهم الذي يعيشون فيه.
تعرَّض العمالُ السوريّون منذ بداية الأزمة إلى كوارث حقيقية مسّت كيانهم وجعلتهم يَهيمون على وجوههم في أركان الأرض، يبحثون فيها عن مأوى لهم ومكانٍ للعمل، من أجل أن يستمروا بحياتهم وعائلاتهم معهم بعد أنْ تهدّدت تلك الحياة بكلّ أشكال التهديد، والتي أقلّها تأمين ما يحتاجونه بحدّه الأدنى الذي كان يُؤمَّنُ معهم بصعوبة بالغة وتزداد الصعوبة الآن أكثر.
ترتفع وتيرة التصريحات التي يطلقها المسؤولون عبر وسائل الإعلام المختلفة، بتحسين الوضع المعيشي لعموم الفقراء إنْ سمحت الموارد بذلك، ومنهم العمال، عبر أشكال من الاقتراحات، منها خفض الأسعار وتعديل التعويضات المختلفة للعمال ومتممات الأجور، وتعديل قانون الحوافز الإنتاجية. وجرى التشديد على ذلك من قبل النقابات في اجتماع مجلسها الأخير وفي المذكرات التي أرسلتها للحكومة السابقة. ولكن لم يَنلِ العمالُ من كل تلك الجهود المتواضعة التي قامت بها النقابات أيَّ شيء يذكر، وبقي الحال على ما هو، بل أخذ يسير نحو الأسوأ، وبقيت الأمور في إطار القول لا الفعل، لأنّ القاعدة الإنتاجيّة الأساسية التي يمكن أن تغيّر واقع العمال إلى حالٍ أفضل، أي المعامل، مصابةٌ بالشلل أو التعطّل سواء في القطاع العام أو الخاص، فكلاهما تتدهور أوضاعهما.
إنّ الأزمة السورية بكل تفاصيل تطوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مدار بحث ونقاش دائمين في المجالس والاجتماعات كافّة، وهذا طبيعي وضروري من حيث الفرز وتبلور الرؤى والمواقف تجاه المخارج والحلول المطروحة من القوى السياسية والاجتماعية، ومنها الحركة النقابية السورية، التي تدور بعض الحوارات داخلها، وتكشف عن مواقف ما تزال في طور التكوّن، والتبلور متجاوزةً ما يُطرَح في الحركة النقابية.
وفقاً لقرار المكتب التنفيذي تمّ تحديد موعد الانتخابات النقابية للدورة الثامنة والعشرين بداية الشهر العاشر من هذا العام، وتمت الموافقة على إجراء الانتخابات من قبل المجلس العام الذي عقد جلساته الأسبوع الفائت.
دعا المكتب التنفيذي لنقابات العمال في جلسته الأخيرة المعتادة كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع إلى عقد جلسة للمجلس العام للاتحاد يومي الإثنين والثلاثاء بتاريخ 16-17/9/2024، وقد يكون الاجتماع الأخير للمجلس الحالي قبل الانتخابات النقابية المزمع عقدها قريباً وسيكون حضور الحكومة الأخير أيضاً.
كثيراً ما ردّد المسؤولون الحكوميون على مسامع الكوادر النقابية في الاجتماعات التي تحضرها الحكومة عبارة «النقابات متواجدة في كل مواقع اتخاذ القرار»، وأنها مسؤولة عن تلك القرارات المتخذة مثلها مثل الحكومة والإدارات، فالتمثيل النقابي يشمل مجالس إدارة المؤسسات والشركات ومجلس الشعب واللجنة الاقتصادية العليا وقيادة الجبهة وغيرها من المواقع التي تتخذ فيها القرارات، أي إن الحركة النقابية شريك كما هو مفترض في كل ما يجري في البلاد لانتشار ممثليها في المواقع التي ذكرت أعلاه، وهذا الانتشار التمثيلي من المفترض أيضاً أن يحمّلها عبئاً ومسؤوليات استثنائية كونها تمثل مصالح وحقوق أكبر طبقة في البلاد.
من المؤكد أن الأجور من أكثر القضايا إلحاحاً، ومن أكثر القضايا التي يجري تداولها على ألسنة من يبيعون قوة عملهم، سواء العضلية منها أو الفكرية. فهنا لا فرق بين الاثنتين من حيث النتيجة النهائية، وهي ضرورة تحسين الوضع المعيشي، المتناسب مع غلاء الأسعار، التي تقفز الآن قفزات متسارعة لا يمكن للأجور الحالية إدراكها، أو الوصول إلى حالة قريبة منها، مما يعني استمرار الحال على ما هو عليه من بؤس وحرمان للعاملين بأجر، ويعني انقسام المجتمع إلى فريقين أساسيين ناهبين ومنهوبين، يجري الصراع بينهما.
يتوالى تباعاً ارتفاع لهيب الأسعار بسبب السياسات الاقتصادية والسياسية، ويبدو أن هذا اللهيب مستمر ولا رادّ له طالما تلك السياسات مستمرة، وكذلك بقاء الناس على حالهم؛ بين الدعاء بالفرج وبين شتم مَن كان السبب في أزمتهم، فالأزمات مستمرة وممتدة ابتداءً من رغيف الخبز وليس انتهاءً بقطرة الماء التي يحاولون الحصول عليها بشق الأنفس والتي يعلن عنها في كل المحافظات.
المنحنى البياني للوضع المعيشي يسير بتسارع عجيب نحو الجوع الذي أصبح واقعاً يعيشه الفقراء من شعبنا العنيد، بسبب ارتفاعات الأسعار اليومية التي تزيد من معاناتهم، وتجعل حصولهم على الحد الأدنى مما يحتاجون من غذاء ونقل ودواء وأجرة سكن، وغيرها من الحاجات التي لا يمكن الاستغناء عنها، بحكم الصعب جداً جداً، وعلى حساب الكثير من المتطلبات الضرورية التي يجري الاستغناء عنها كلياً أو جزئياً.