محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تتعمق الازمة المعيشية التي يعاني منها الشعب السوري بأغلبيته الفقيرة وتتوضح مشاهدها اليومية في كل الأمكنة التي يقطنها الفقراء، ويمكن أن نعرض لبعض المشاهد لأناس التقينا بهم وتحدثنا معهم وسمعنا منهم ما يودّون قوله حول ظروفهم ومعيشتهم وقهرهم الذي يتعمق يوماً بعد يوم.
منذ تبني اقتصاد السوق الاجتماعي رسمياً، ارتسم خط ناظم لعمل جميع الحكومات التي تعاقبت تجاه الطبقة العاملة السورية بشقيها العام والخاص، وهذا الخط جرى التعبير عنه بأشكال مختلفة من الممارسة والسلوك ابتداءً بما سمي بمشاريع «الإصلاح» الاقتصادي للقطاع العام، التي تبخرت مع تقدم وسيادة النهج الليبرالي في الاقتصاد الوطني، وليس انتهاءً بحرية التجارة، وفتح الأسواق، وتقليص دور الدولة «الاقتصادي الاجتماعي»، وتقييد قوة العمل بقوانين عمل «مرنة» حسب تبني صندوق النقد والبنك الدوليين لهذا المبدأ الذي تم النصح والدفع به لتطبيقه في كل الدول التي تبنت الليبرالية الجديدة في الاقتصاد!
المنحنى البياني للوضع المعيشي يسير باتجاه المنحدر بتسارع عجيب بسبب ارتفاعات الأسعار اليومية التي تزيد من معاناة الفقراء، وتجعل حصولهم على الحد الأدنى مما يحتاجون من غذاء ونقل ودواء وغيرها من الحاجات التي لا يمكن الاستغناء عنها بحكم الصعب جداً جداً، وعلى حساب الكثير من المتطلبات الضرورية التي يجري الاستغناء عنها كلياً أو جزئياً.
يتبين الصراع الآن ويتوضح أكثر بين رأس المال وقوة العمل في المعارك الطبقية الدائرة رحاها في الساحات الأوروبية، من أجل كسر حالة الاستغلال التي يمارسها رأس المال، على طريق إزالته في حال توفرت الظروف والعوامل المواتية لعملية الإزالة تلك، وأهمها وجود قوى ثورية قادرة على رؤية المتغيرات الجارية في ميزان القوى على كل الأصعدة، وبالتالي وضع برامجها على أساس تفسير صحيح للواقع من أجل تغييره.
يرتفع مستوى الحراك العمالي في العالم، وخاصة في الغرب وأمريكا، من خلال أشكال متعددة من الممارسة على الأرض (مظاهرات - إضرابات - اعتصامات...إلخ) يقوم بها العمال، وذلك استناداً إلى مستوى الحريات السياسية والديمقراطية النسبي السابق، والذي يتغير الآن، وإلى درجة التنظيم وقوة الحركة النقابية الجديدة، التي تتكون في مجرى الصراع الدائر مع قوى النهب من أجل انتزاع حق الطبقة العاملة في التعبير بالطرق والأشكال التي يعبر فيها العمال عن مصالحهم وحقوقهم، وفي مقدمتها حقهم في توزيع عادل للثروة التي ينهبها لصوص القيمة الزائدة، مدعومين بقوانين تثبت لصوصيتهم وتجعل حياة العمال في أسوأ حالاتها، وغرباء عن إنتاجهم المجبول بعرقهم ودمائهم.
تعلن الجهات الرسمية وغرف الصناعة في المحافظات المختلفة مراراً وتكراراً أن الإنتاج وتحسينه من أولويات عملها، وسوف تسعى بما أوتيت من قوة وما أوتيت من موارد لتحقيق هدف زيادة الإنتاج وتطويره سواء عبرها مباشرةً أو عبر شركاء محليين وغير محليّين. وتعقد تلك الجهات الاجتماعات والندوات، وتشكل مجالس الأعمال مع شركائها في الدول الأخرى، وتم إصدار العديد من القوانين التي تنص على الاستثمار في الجانب الإنتاجي الصناعي والزراعي والآن في الطاقة الكهربائية «الطاقة البديلة والمتجددة» كما يقال عنها.
يتعرض العمال الموسميون إلى هزات عنيفة عند نهاية كل موسم إنتاجي. وما نقصده بالعمال الموسميين هم العمال في القطاع الخاص الذين يعملون في الإنتاج لموسم واحد شتوي أو صيفي، في المشاغل الحرفية المنتشرة في الأقبية في أحزمة الفقر التي تحيط بالعاصمة، وما أكثرها! وأماكن أخرى لا ترى الضوء ولا يمر بها الهواء، وبعدها يذهبون إلى منازلهم بانتظار موسم جديد، وهؤلاء العمال مجرَّدون من الحقوق كافةً، سواء بزيادة الأجور أو حقوقهم في أن يكونوا منتسبين للتأمينات الاجتماعية، وكذلك المظلة النقابية التي لا تُظلِّلُهم بظلّها فهم غير منظورين بالنسبة لها.
حال العمال والفقراء عموماً لم يعد خافياً على أحد، ولم تعد تنفع أنواع المسكنات التي توصف لهم كلها من أجل أن يصبروا على وجعهم... وجعهم المزمن الذي وصل إلى أدق خلاياهم ولم يجدوا له دواءً شافياً حتى الآن.
تنتفض الحكومات في أقاصي البلاد وأقربِها بسبب نزول العمّال إلى الشوارع، ليس في الأول من أيار فحسب بل في كل الأوقات التي يرى فيها العمّال ضرورة لتحرّكهم رافعين راياتهم، وقبضاتهم القوية، ووجعَهم المزمن الذي تجدِّدُه كلَّ يومٍ آلةُ النَّهب الرأسماليّ لقوّة عملهم، حيث لا يملكون سواها من أجل أن تستمرَّ دورة حياتهم.
مع تعمُّق الأزمة العامة الاقتصادية والسياسية الاجتماعية للرأسمالية والتغيُّر المهمّ في موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، وانعكاس نتائجها المباشرة والقاسية على الشعوب في بلدان المركز الرأسمالي والأطراف، بدأ حراك شعبي يتسع في كل يوم وتظهر في مقدمته الطبقة العاملة التي كانت المتضرر الرئيسي من الأزمة بكل أبعادها، حيث فقدت الكثير من المكاسب التي حصلت عليها في مرحلة توازن القوى التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الإمبريالية الأمريكية، وكانت وقتها الرأسمالية مضطرة لتقديم تنازلات للطبقة العاملة في مجرى صراعها الضاري مع المعسكر الاشتراكي، الذي كان يقدم قوة المثل للعمال في العالم.