معن خالد
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
من المعروف أن المصرف المركزي يستخدم عدة أسعار للدولار لتعاملاته المختلفة، لكن سنركز في مقالتنا هذه على سعر وحيد، وهو الذي يراه الناس على شاشات شركات الصرافة، وهو السعر الرسمي الذي يحدده المصرف المركزي يومياً لعمليات بيع وشراء شركات الصرافة، والتي يتعامل معها الناس العاديون وكبار التجار والتي اكتظ أمامها الناس في الشهر الأخير منتظرين بيعهم الدولار بعد عاصفة ارتفاع الأخير.
يحمل المصرف المركزي الحكومة، مسؤولية تدهور الليرة الأخير بشكل غير مباشر، وذلك عندما يتهم تجار المستوردات بالمضاربة المباشرة على الليرة، أو حين يرى في إجازات الاستيراد الجديدة المتعلقة بالمازوت وغيرها ضغطاً كبيراً في الطلب على الدولار ما يرفع سعره.
لا تجد التصريحات الحكومية لتبرير ارتفاع الأسعار، غير الحديث عن تدهور الإنتاج وارتفاع تكاليفه، نتيجة انخفاض سعر الصرف لليرة والظروف الأمنية.
تحدثت قاسيون في العدد الماضي عن ظاهرة (الدولرة)، وستستكمل في هذا العدد الإضاءة على جوانب خطيرة منها، والتي تعني اعتماد الاقتصاد السوري على الدولار (أو أي عملية أجنبية أخرى) في التعاملات كافة بديلاً عن الليرة أو بالتوازي معها، وهو ما يعني انتقاصاً من السيادة الوطنية من جهة، وضرباً لقدرة السياسة النقدية على التحكم بالنقود في الاقتصاد الوطني، ومع أن هذه الظاهرة يصعب أن تطبق في اقتصاد البلاد سواء في أماكن سيطرة الحكومة أو خارجها، لأسباب كثيرة، إلا أن الدوافع الأساسية لهذه الظاهرة تزداد بشكل كبير وخطير يومياً.
لا تنفصل القضايا الاقتصادية عن السياسية عموماً وفي الأزمات تحديداً تزداد هذه العملية تلازماً، وليست الأزمة السورية إلا نموذجاً حياً على ذلك، فالأزمة أظهرت انحيازاً للسياسات الحكومية لمصلحة أصحاب الربح الذين لا هوية لهم إلا (كمية المال) والذين يشكلون جزءاً من النظام السياسي الاقتصادي-الاجتماعي القائم، أيا كانت اصطفافاتهم المؤقتة، معارضة أم موالاة، من المحسوبين على الحكومة أو من يقفون ضدها.
لقد غطت قاسيون معظم أبعاد قضية رفع الدعم عن المحروقات وهي تود في ختام هذا الملف أن تثبت مجموعة من الأفكار.
من المعروف علمياً واقتصادياً أن أي عملة نقدية كالليرة السورية لها وجهان متلازمان هما القوة الشرائية لليرة (هو مقدار السلع والخدمات التي تشتريه الليرة) وسعر صرف الليرة (وهو قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار). إن كلا المفهومين السابقين مترابطين ومتلازمين وهما شكلا تجلي قيمة الليرة. الأول في السوق المحلية السورية، والثاني في السوق الدولية لأغراض عمليات الاستيراد والتصدير بشكل أساسي. ومن المعروف أن قيمة الليرة تتحدد بتوازنات العلاقة بين الكتلة السلعية من جهة (الناتج الحقيقي: أي مجموع السلع في السوق) وبين الكتلة النقدية (كمية النقود الموجودة في السوق)، وإن انخفاض حجم الإنتاج السلعي عن حجم الكتلة النقدية المقابلة له يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة، ما يعني انخفاض في القوة الشرائية لليرة (ارتفاع أسعار السلع) وانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار (ارتفاع سعر الدولار).
من المعروف أن انخفاض قيمة الليرة كان له العديد من الأسباب لكن أهمها هو تراجع الإنتاج واختلال التوازن بين كمية النقود الموجودة في السوق وكمية السلع المقابلة لها، ولكن وبعد الاستقرار عند مستوىً منخفض من الإنتاج ينبغي أن تستقر الليرة عند سعر محدد وإن بانخفاض شديد، فما هي أسباب التقلب المستمر؟؟ خاصة وأن الحكومة مؤخراً صرحت لأكثر من مرة بعودة مؤشرات الانتعاش وارتفاع نسب التصدير!
يكثر الحديث مؤخراً عن السياسات التي تتبعها الحكومة وأسبابها ودوافعها، ولقد كانت الحكومة دوماً ومن مطلع عقد الألفية الجديدة تتذرع في كل تحول ليبرالي بحجة نقص الموارد. لكن تتبع مسارات التحول الليبرالي إلى الرأسمالية الطفيلية في الاقتصاد السوري يدل على أن ذرائع الحكومة ليست إلا مجرد ترّهات، فتحولات النظام الاقتصادي الاجتماعي إلى الرسملة والتي يمثل واضعو السياسات مصلحتها عملياً يدفعون الأمور باتجاهات واضحة لكل من عرف شيئاً ما عن الاقتصاد السياسي.
مع كل خطوة حكومية لرفع أسعار المحروقات والمواد المدعومة تكثر التصاريح الحكومية عن اضطرارها لرفع السعر لدواعي «ضرب التهريب» أو «التخلص من وجود سعرين» السعر المدعوم وسعر السوق السوداء، أو أن الأمر مرتبط «بنقص المعروض من المادة مما يؤدي إلى رفع أوتوماتيكي للسعر»، أو «نقص الموارد وأعباء خزينة الدولة» أو الحصار إلخ إلخ...