الأرباح Vs الأجور وضرورات حسم المعركة!

الأرباح Vs الأجور وضرورات حسم المعركة!

يكثر الحديث مؤخراً عن السياسات التي تتبعها الحكومة وأسبابها ودوافعها، ولقد كانت الحكومة دوماً ومن مطلع عقد الألفية الجديدة تتذرع في كل تحول ليبرالي بحجة نقص الموارد. لكن تتبع مسارات التحول الليبرالي إلى الرأسمالية الطفيلية في الاقتصاد السوري يدل على أن ذرائع الحكومة ليست إلا مجرد ترّهات، فتحولات النظام الاقتصادي الاجتماعي إلى الرسملة والتي يمثل واضعو السياسات مصلحتها عملياً يدفعون الأمور باتجاهات واضحة لكل من عرف شيئاً ما عن الاقتصاد السياسي.

إن هدف أي رأسمال في العالم سواء في نيويورك أم في الصين أم أنغولا أو في سورية هو (تعظيم الربح)، ومن هنا لايمكن خروج الاقتصاد السوري المترسمل بشكل تدريجي منذ عقود عن هذا الهدف.
لقد كانت مهمة واضعي السياسات في سورية منذ مطلع الألفية الجديدة هي تذليل كل العقبات الاقتصادية أمام ربح قوى رأس المال فقد حسموا العلاقة الاقتصادية (الأرباح Vs الأجور) أي (الأرباح مقابل الأجور)  بالانحياز لمصلحة الأرباح، وعلى هذا صبّت كل السياسات الاقتصادية في العقد الماضي كل اهتمامها لتخفيف التكاليف على رأس المال السوري للسماح لأرباحه بالانتعاش للحد الأقصى.
ومن المعلوم أن الأرباح ترتفع كلما انخفضت نسبة الأجور وذلك وفق ما يسمى بالتوزيع الأولي في الناتج المحلي الإجمالي، ومن هنا صيغت وجاءت معظم سياسات وقوانين الفترة الماضية، من قانون العمل الذي يسحب العديد من حقوق العمال في التعويض والتأمين، وصولاً إلى تثبيت الأجور عند الحدود الدنيا التي تسمح لرأس المال بالتحكم بعرض قوة العمل من جهة وتخفيض تكاليف أي استثمار من جهة أخرى.
لقد جاء إلغاء الدعم بناء على هذه السياسة، وليس كما تقول الحكومة بسبب التهريب أو بسبب صعوبة تأمين المادة أو نقص العرض، بل لأن الدعم الاجتماعي هو عبارة عن أجور عينية تدعم وزن الطبقة العاملة الاقتصادي والسياسي. وهنا لا نلغي دور عوامل الأزمة التي تتذرع فيها الحكومة لرفع الدعم، إلا أن كل ذلك ليس إلا مجرد ذرائع استفاد واضعو السياسات منها لتنفيذ ما قد بيّتوه.
إن إلغاء الدعم عن المحروقات يتيح فرصة استثمارية لرأس المال الباحث عن الربح من خلال دخوله على خط استيراد وتوزيع المواد المدعومة فيما لو حررت أسعارها. وإن العلاقة العضوية بين الأرباح والأجور ينبغي أن تختل بشكل مستمر لمصلحة زيادة الأرباح وانخفاض أجور حتى يستمر رأس المال بالاستثمار في الاقتصاد السوري وإلا فإنه سيضطر للمغادرة. وعلى ذلك لا تكتفي السياسات بالتحكم بالتوزيع الأولى بين الأرباح والأجور، بل تزيد على ذلك إعطاء الربح هوامش أكبر من خلال إعفائه من الضرائب بشكل مستمر كي يستطيع تكوين تراكمه الرأسمالي بأسرع مايمكن.
إن جملة السياسيات التي وُضعت ونُفذت خلال الفترة الماضية لم تعد تمثل إلا مصالح قوى رأس المال الطفيلية التي وجدت في الأزمة خير توقيت لانتعاشها فأعادت توزيع الثروة في البلاد لصالحها وبشكل أكثر إجحافاً بحق الفقراء من السابق.