ماوراء الأسعار وارتفاعها!
لا تجد التصريحات الحكومية لتبرير ارتفاع الأسعار، غير الحديث عن تدهور الإنتاج وارتفاع تكاليفه، نتيجة انخفاض سعر الصرف لليرة والظروف الأمنية.
ورغم أن هذين التبريرين هما بالفعل أساساً لهذه المشكلة، ويمثلان ضغوطاً موضوعية لارتفاع الأسعار، إلا أنهما لا يعنيان أن نتيجة هذا الوضع ينبغي التسليم لارتفاع الأسعار، إلا كونهما تفسيران مستمدان من عقلية اقتصاد السوق، التي لا تملك الحكومة وفقه أي أداة لتخفيض الأسعار، ما يجعل الأسعار تلتهب أمام أعين الجميع دون أي حل. وعلى ذلك تكون مسؤولية الحكومة بالحد الأدنى، هو تبنيها لخيار اقتصاد السوق بشكل معلن وصريح.
كما أن تفسير الحكومة لارتفاع الأسعار بدور كبير لتجار الأزمات، يأتي في السياق ذاته، أي ترك الاقتصاد لقوى السوق، التي ليس من مهمة الحكومة أبداً تأديبها أو (عقلنتها) وذلك وفقاً لعقلية (دعه يعمل دعه يمر)، بل تكتفي بشتمها و(التضرع) لأجل الخلاص منها، وكأنها من ظواهر غيبية لا يمكن إدراكها أو مشاهدتها وبالتالي محاربتها!.
ما يبدو سهلاً بالنسبة للحكومة هو الإكثار من الحديث عن أسباب رفع الأسعار بغض النظر عن موضوعية أسبابها، وبغض النظر عن دور الحكومة فيها، كما تستهل الحكومة التباكي على النتائج الكارثية على المواطن البسيط. لكن ما لم ولن تجيب عليه الحكومة هو النتائج الإيجابية التي تعود على أصحاب رؤوس الأموال من هذه السياسة.
فما هو مصير أرباح هؤلاء، هل قلّت في الأزمة أم تضاعفت؟ وماذا حصلت الحكومة كضرائب على أرباحهم؟ السؤال الأهم هو: ما ردة فعل أصحاب الرساميل بعد ارتفاع الأسعار، هل هربوا بسبب ارتفاع تكاليفهم كما يدّعون، أم سارعوا لاقتناص فرصة ارتفاع الأسعار لإيجاد استثمار جديد بعد أن أصبحت الأسعار العالية تغريهم بالربح الوفير.
لتوضيح الفكرة السابقة، علينا أن نسأل السؤال المباشر التالي: ألم ينتظر كبار أصحاب الرساميل رفع أسعار المحروقات لكي يقولوا: باتت تكلفة استيرادها أو بيعها عبئاً على الحكومة ونحن أقدر على استيرادها وبيعها!. من منهم كان سيفكر باستيراد مادة المازوت وبيعها عندما كان سعره 20 ليرة مثلاً، اللهم إلا صغار الرساميل التي تقبل أرباحاً لا يرضى بها كبارهم.
وكذلك الأمر على سبيل المثال في قطاع النقل، ألا يحفز تضاعف سعر تذكرة النقل لأربعة أضعاف بالحد الأدنى- و(الخير لقدام)- بين المحافظات كبار رؤوس الأموال لاستثمار جديد وضخم في هذا القطاع. ألم تنتظر مشاريع النقل الجوي ارتفاعات كهذه، لتكون تشغيلات طائراتها على خطوط النقل بين المحافظات استثماراً مربحاً، حيث بات المواطن البسيط مضطراً للتفكير بجدوى انتقاله بالطائرة بدل الباص في ظل الوضع الأمني وارتفاع تكاليف النقل البري.
مما لاشك فيه أن ارتفاع الأسعار هو الضريبة التي دفعها فقراؤنا لأصحاب الرساميل في ظروف الأزمة، بعلم ومباركة كافة الجهات المختصة وواضعي السياسات، وما التباكي على حال الشعب إلا تضليلاً لعيوننا عما ربحه الآخرون!