مهند دليقان
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كثيراً ما تعرضَّت المفاهيم السياسية الرئيسية في الأزمة السورية، إلى العديد من عمليات التشويه المتعمَّدة، وشكَّلت بعض وسائل الإعلام منبراً يزخر خطابُ من يعتليه بعمليات التشويه هذه. وكان أحد أهم فصول التشويه، وأكثرها ضرراً، الخلط، المقصود وغير المقصود، بين شرعية النظام السياسي، وشرعية جهاز الدولة السورية. وما بين الشرعيتين بالطبع فرقٌ شاسع ينبغي توضيحه من جهة، وكشف المصالح المختفية وراءه من جهة أخرى..
طالت الأزمة السورية.. تأخر كثيراً الحسم وأكثر منه الاسقاط، وباتت التحليلات الرائجة التي يقدمها النظام ومعارضته عارية أمام حقائق لا تقبل التأويل، وبعد أن انغمسا في دمّ السوريين حدّ الاختناق غدا من الصعب الاستمرار بطريقة التحليل السطحية نفسها وأصبح ممكناً أن تسمع بين الفينة والأخرى على لسان محلل أو آخر فكرة توازن القوى الدولية والتوازن الداخلي وصعوبة الحسم والاسقاط..
إن الأزمة التي يعيشها السوريون منذ عام 2005 تقريباً، أي العام الذي تم فيه التبني العلني لما يسمى «اقتصاد السوق الاجتماعي» وحتى اليوم، تشبه في حركتها حركة الدوامة التي تلف بنا ونغوص معها في كل دورة جديدة نحو الأسوأ.. تبدأ الأمور بالأزمات الاقتصادية التي نقرؤها من خلال مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش، حيث انتهت الخطة الخمسية العاشرة إلى إلقاء 44% من السوريين تحت خط الفقر الأعلى، واتسع نطاق العشوائيات حول دمشق وحدها بحدود 5 أضعاف ما كانت عليه..
يتمحور الحديث عن القضية الكردية، لا في سورية وحدها، بل وفي الدول الأربعة التي يقطنها الأكراد، ضمن عنوانين أساسيين: (حق تقرير المصير، الحقوق الثقافية والسياسية)، ويتفرع عن هذين العنوانين كلام كثير، فهل يحق للأكراد إقامة دولتهم القومية؟ وإن كان لهم الحق في ذلك فما الآلية المناسبة؟ هل ينبغي إعادة تقسيم أربعة دول هي سورية وتركيا والعراق وإيران، لتشكيل أربع كيانات كردية يمكن أن تتحد ويمكن ألا تتحد؟ وهل يشكل هذا الافتراض حلاً للمسألة الكردية، وهل يخدم مصلحة الأكراد.. وإلخ وإلخ..
كان من اللافت خروج ممثلي مجموعة من التنظيمات التكفيرية في حلب للإعلان عن رفضهم تمثيل ائتلاف الدوحة لهم. ترافق هذا الإعلان مع إعلان آخر أخطر منه وهو إعلان «الإمارة الإسلامية» و«تطبيق شرع الله».. إنّ حكماً سريعاً على هذا الحدث قد يأخذنا إلى الفصل الميكانيكي بين الطرفين واعتبارهما متضادين أو غير متفقين في أحسن الأحوال، أي أنه سيأخذنا إلى اعتبار معارضي «اسطنبول- الدوحة» تياراً متمايزاً وبعيداً عن التيارات الشبيهة بالقاعدة الموجودة على الأرض السورية.. ولكن تدقيق النظر في أهداف وخطة عمل وبرنامج كل من هذين الطرفين سيملي قراءةً وتحليلاً مختلفاً..
استمر هجوم بعض أوساط النظام على ممثلي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير في مجلس الشعب وفي الحكومة، والظريف في هذا الهجوم أنه وصل مؤخراً إلى المطالبة بالتنحي!!.. «إن لم تستطيعوا حل مشاكل الناس عليكم بالتنحي».. ويخاطبون الجبهة قائلين: «إن كانت حجتكم هي أنكم أقلية في مجلس الشعب وفي الحكومة والأكثرية تعيقكم، فلن تستطيعوا تحقيق شيء لأنكم أقلية، لذا انسحبوا..»
يتجاوز متابعو الشأن السياسي السوري بمعظمهم، وشيئاً فشيئاً، الطروحات الساذجة حول «التحاصص الروسي- الأمريكي» لسورية، لكن ما يعيق خروجهم النهائي من هذه الطروحات إذا استثنينا أولئك الذين يعرفون خلبيتها ويستخدمونها في إطار البروباغاندا السياسية هو تصورات بالية عن شكل الصراع الدولي وطرق تسويته وإنهائه..
لأنها «في البدء كانت»، فالكلمة أساس لا يمكن البناء دونه، والكلمة جذر الفكرة ومبتدؤها.. لن نناقش هنا قوة الكلمة وقوة تأثيرها من جانب قوة الفكرة، ولكن سنناقش قوة الكلمة المفردة، الكلمة- الاصطلاح، الكلمة- المفهوم، وسنقصر النقاش على السياسة الجارية الخاصة بسورية وعلى بعض مفرداتها فقط..
دخلت ليبيا ومعها اليمن استعصاءً حرجاً منذ ما يقرب الشهرين، ولم تنجح حتى الآن أي من الانتفاضات الشعبية التي تلت مصر وتونس في تجاوز أزماتها المصنعة محلياً وخارجياً.. وبرزت في سياق القراءات المتعددة لأسباب وظروف الاستعصاءات المتتالية طروحاتجنحت نحو التسطيح وتفسير الماء بالماء، كالطرح الذي يفسر صعوبة التقدم بالإجرام الأمني وبمستوى العنف والعنف المضاد...الخ ، ومشكلة هذه التفسيرات أنها تغلق الباب أمام الإمكانيات الحقيقية للتغيير ، لأنها، ومن حيث تدري أو لا تدري، تقوم بتقسيم القاعدةالاجتماعية للتغيير وتحولها إلى جيوش متحاربة فيما بينها، لأنها وقبل كل شيء تطرح التغيير المنشود من أضيق زواياه وأكثرها تكثيفاً، أي من الجانب السياسي المباشر المحمول على شعار إسقاط النظام، في الوقت نفسه الذي تغيب فيه البدائل والبرامج السياسيةوالاقتصادية-الاجتماعية وحتى الوطنية الواضحة المعالم للتغيير المرتقب..
إن استمرار أي نظامٍ سياسي, محكوم بدرجة الرضا التي يحققها للجماهير. وحين يتراكم القهر وعدم الرضا, وبتوفر ظرف عالمي مناسب، فإن النظام, أي نظام كان, سينهار. هذا ما أثبتته الحياة, وما تثبته الحياة يتوقف النقاش حوله. الواهمون فقط، والنائمون على أكاليل انتصارات غابرة، هم من يحسبون أن الحياة قد تراجع أقوالها, لمرة واحدة, كرمى لخاطرهم، ويغامرون بأخذ البلاد والعباد نحو مخاضات أليمة قد تشوه الوليد الجديد وتضطر الشعب لوأده والدخول في مخاضات أخرى ريثما يأتي الجديد الحقيقي..