المعلم واحد..
كان من اللافت خروج ممثلي مجموعة من التنظيمات التكفيرية في حلب للإعلان عن رفضهم تمثيل ائتلاف الدوحة لهم. ترافق هذا الإعلان مع إعلان آخر أخطر منه وهو إعلان «الإمارة الإسلامية» و«تطبيق شرع الله».. إنّ حكماً سريعاً على هذا الحدث قد يأخذنا إلى الفصل الميكانيكي بين الطرفين واعتبارهما متضادين أو غير متفقين في أحسن الأحوال، أي أنه سيأخذنا إلى اعتبار معارضي «اسطنبول- الدوحة» تياراً متمايزاً وبعيداً عن التيارات الشبيهة بالقاعدة الموجودة على الأرض السورية.. ولكن تدقيق النظر في أهداف وخطة عمل وبرنامج كل من هذين الطرفين سيملي قراءةً وتحليلاً مختلفاً..
إن الشغل الشاغل للمعارضة غير الوطنية المرتبطة بالغرب الأمريكي- الأوروبي في مرحلتها الأولى «الاسطنبولية»، كان يتركز حول مهمة تقديم الغطاء السياسي للتدخل الخارجي العسكري المباشر من خلال الدعوة اليومية له عبر المنابر المختلفة تحت مسميات وحجج متعددة تناسبت في كل مرحلة مع درجة تعقد الوضع على الأرض، ولما أصبح التدخل المباشر مستحيلاً بدأ التحضير للمرحلة اللاحقة مرحلة التدخل غير المباشر، وأصبحت وظيفة الاسطنبوليين هي تبرير التسلح ثم الدعوة له والحث عليه، على أمل تغيير الموازين الداخلية لفك استعصاء الموازين الدولية ولكن مع أمل مستمر بوقت يمكن فيه أن يلعب التدخل المباشر دوره المطلوب..
انتقلت المعارضة الاسطنبولية في طورها التالي، «الدوحة»، لتحقيق وظيفة أخرى هي تعزيز التدخل غير المباشر وشرعنته، إضافة إلى إرساء واقع جديد على الأرض السورية يحمل في داخله بذور التفتيت والاحتراق الداخلي، وأدوات هذه العملية معروفة، وعلى رأسها التنظيمات التكفيرية التي تغذي اقتتالاً داخلياً ذا بعد طائفي، ولما كان لمعارضة «الدوحة» وظيفة أخرى تتناسب مع طبيعة المرحلة المستعصية دولياً هي تأمين جهوزيتها لاحتمال التفاوض أو الحل السياسي، فإنه لا بد للمشروع ككل أن يحافظ على أدواته في الضغط حتى خلال التفاوض، وبما أنه من غير الممكن لمفاوض أن يجلس إلى الطاولة ويقوم بالتفجيرات في الوقت نفسه، فإن على أحد آخر أن يقوم بها وينسبها إلى نفسه ليبعدها عن المفاوض..
أي أن للتنظيمات التكفيرية وظيفة محددة ليست استلام السلطة وإقامة الإمارات الإسلامية، ولكن وظيفتها هي إدامة الاشتباك وإبقاء التوتر قائماً لتأمين غاية مموليها التي تتمثل بحدين أدنى وأعلى.. الأدنى هو حوار يقود إلى طائف سوري، أي إلى تحاصص سورية الدولة بين الفاسدين الداخليين والخارجيين باسم «الطوائف السورية»، والحد الأعلى تحاصص سورية بعد تفتيتها بين أولئك أنفسهم ولكن بوصفها مجموعة من الكنتونات الطائفية والقومية.. المعلم الأمريكي واحد، والتلاميذ يقتسمون الأدوار..