الحل الخارجي والحل الداخلي..

طالت الأزمة السورية.. تأخر كثيراً الحسم وأكثر منه الاسقاط، وباتت التحليلات الرائجة التي يقدمها النظام ومعارضته عارية أمام حقائق لا تقبل التأويل، وبعد أن انغمسا في دمّ السوريين حدّ الاختناق غدا من الصعب الاستمرار بطريقة التحليل السطحية نفسها وأصبح ممكناً أن تسمع بين الفينة والأخرى على لسان محلل أو آخر فكرة توازن القوى الدولية والتوازن الداخلي وصعوبة الحسم والاسقاط..

سنترك المحللين إياهم جانباً على اعتبار أن انتظار وصولهم إلى النتيجة الواضحة القائلة بأن: (التوازن الدولي القائم ذو محصلة صفرية ومن المستحيل على أي من الطرفين إخضاع الآخر لشروطه وهزيمته، ولا مخرج في سورية سوى الحوار والحل السياسي) هو انتظار سيطول ويطول إلى أن نرى سورية الراهنة حلماً بعيد المنال.. وسنحاول الانطلاق من الحقيقة السالفة الذكر لنستوعب معناها وما تمليه علينا..

إن التوازن الدولي القائم لا يعدو كونه لحظة تاريخية في سياق الصراع، ولكن كونها لحظة لا يعني أنها ستستغرق أياماً أو شهوراً، ولكن تبعاً لطبيعة الظاهرة وتعقيدها وعطالتها الهائلة أي ضخامة ممانعة القوى التي يأفل نجمها، فإن هذه اللحظة التاريخية ستدوم لسنوات يقدرها بعض الباحثون بخمسة على الأقل.. أي أنّ تكون العالم الجديد الذي ينتهي فيه دور أمريكا كشرطي ولص في الوقت نفسه لن يكون قريبا جداً.. وعليه فإن الحسم النهائي للصراع داخل سورية لمصلحة أحد الطرفين لن يتم قبل حسم الصراع الدولي، ذلك أن الصراع القائم في سورية اليوم وإن كان يحمل كثيراً من مبرراته في الداخل، فإنه في الوقت نفسه يظهر كأحد تجليات الصراع العالمي، وبما أن الحسم مستحيل فقد بدأ طرفا الصراع (الخارجي والداخلي) بإعداد سناريوهات بديلة علّها تصمد لفترة قتال واقتتال أطول..

(أمريكا- روسيا):

القطب الأمريكي- الغربي يتراجع، وهذا يعني أنه غداا أضعف منه اليوم، وعليه لذلك أن يسارع بتثبيت واقع سوري يخدم مصالحه في اللحظات القادمة، ويملك في داخله آلية التدمير الذاتي والتفتيت، والسيناريو المناسب هو التقسيم الطائفي والقومي عبر الحوار بعد أن غدا التفتيت بالوسائل المباشرة مستحيلاً تحت ضغط التوازن الصفري.. والسيناريو المناسب أمريكاً اليوم هو معارضة جديدة (الدوحة) تقبل بالحوار وتوحي بتمثيل واسع للداخل، يبدأ الحوار ويستمر عنف من نوع محدد هو شكل عنف القاعدة، التفجيرات ذات الرسائل الطائفية، والتي تخدم حواراً طائفياً مع الفاسدين في النظام لإعادة تقسيم البلد..

القطب الروسي- الشرقي، إن جاز التعبير، يتقدم. ولذلك فهو بحاجة أيضاً إلى حل وسط مؤقت يمتلك آلية ذكية داخلية تسمح باستيعاب الميزان الحالي مع إبقاء امكانية الاستفادة من الميزان اللاحق، وهذا يعني أن التفتيت على أساس طائفي وقومي والخ لن يتناسب نهائياً مع المصالح الروسية، فهي بحاجة إلى سورية مستقرة، وسورية مستقرة لن تمر إلى عبر زيادة الوزن الشعبي داخل الحكومة وتأمين ثقة السوريين وحاجاتهم لإيقاف مد الثورة المضادة الأمريكي.. وبالتالي فإن من مصلحة روسيا أن يجري حوار سلمي ينخفض فيه وزن الخارج قدر الامكان..

 

(نظام- معارضة):

لعل الانطلاق من طريقة فهم اللاعبين الكبار للسياسة ومن ثم الانتقال نحو فهم الصغار لا يخلو من سخرية مرّة، فبعض أطراف المعارضة إذ قدرت أن لا إمكانية للاستمرار بخوض الصراع من الموقع نفسه فقد بدأت بالتحول عنه وما تزال متخبطة بعد أن برمجت لوظيفة انتهت.. وأصبح خطابها يغطي تأخر الاسقاط (بالمؤامرة الدولية) على الشعب السوري!.. ومن الجهة المقابلة فقد بدأ بعض متشددي النظام بالحديث عن الحسم الذي سيأتي لكنه سيتأخر ريثما يتوقف الامداد بالسلاح والمال، والمقصود سيتأخر حتى يحسم الصراع الدولي، وبالتالي فـ(نحن) باقون في محاولاتنا للحسم إلى أن تفرج لصالحنا..

 

السوريون:

بين الأطراف جميعها يبقى للسوريين السيناريو الخاص بهم.. والذي يجب أن يستند إلى فكرة أساسية هي: (التوازن الدولي الصفري، يجعل الحل السوري داخلياً بحتاً، ويجعل من أي حل خارجي حلاً داخلياً من حيث جوهره وموازين القوى التي يعتمد عليها). إن هذه الفكرة- الحقيقة تمنح السوريين فرصة لم يحظ بها الليبيون ولا المصريون ولا التونسيون.. إنها فرصة التغيير الذي يلعب فيه الخارج دوراً صفرياً.. وهي لذلك فرصة لتغيير حقيقي وجذري وشامل، وبما أن المعبر الوحيد المتبقي هو الحوار، فإن على السوريين زيادة وزنهم داخل الحوار.. وعليهم لذلك أن يرصّوا صفوفهم وأن يدخلوا غمار العمل السياسي المنظم، عليهم أن يتعلموا الدفاع عن مصالحهم بأيديهم وأصواتهم.. وأن يتخلصوا من المنطق التافه الذي تحاول (المعارضة الاعلامية) فرضه عليهم باعتبارهم ضحايا يجب البكاء عليهم ويجب عليهم أن يظهروا أقصى درجات التذلل الممكنة.. وعليهم أيضاً أن يتخلصوا من منطق النظام في التعامل معهم كرعايا يواصلون التصفيق والتصدي للمؤامرة عبر متابعة الدنيا وما شاكلها..

للشعب السوري منطق واضح يفرضه بنضاله، فليس فرجةً إعلامية للشفقة.. وليس حشوداً مرصوصة للتصفيق..