«لنكون واقعيين علينا أن نطلب المستحيل»!
يتمحور الحديث عن القضية الكردية، لا في سورية وحدها، بل وفي الدول الأربعة التي يقطنها الأكراد، ضمن عنوانين أساسيين: (حق تقرير المصير، الحقوق الثقافية والسياسية)، ويتفرع عن هذين العنوانين كلام كثير، فهل يحق للأكراد إقامة دولتهم القومية؟ وإن كان لهم الحق في ذلك فما الآلية المناسبة؟ هل ينبغي إعادة تقسيم أربعة دول هي سورية وتركيا والعراق وإيران، لتشكيل أربع كيانات كردية يمكن أن تتحد ويمكن ألا تتحد؟ وهل يشكل هذا الافتراض حلاً للمسألة الكردية، وهل يخدم مصلحة الأكراد.. وإلخ وإلخ..
يضع مشروع موضوعات المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية حول «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»، إجابات جديدة نوعياً مقارنة بمجمل الإجابات التي وضعت سابقاً، وفي هذه المادة أركز على مسألة جوهرية، هي على ما أعتقد الفكرة الأكثر جوهرية في الوثيقة المطروحة للنقاش، وأقصد هنا مسألة حق تقرير المصير وعلاقته بتشكيل الدولة القومية بما في ذلك مسائل الانفصال..
إنّ الوثيقة، وعبر مقاربتها للمسألة الكردية، كمسألة أساسية ضمن جملة مسائل أساسية تخص شعوب منطقة كاملة هي منطقة «الشرق العظيم» الممتدة من قزوين إلى المتوسط، إنما تخرج المسألة الكردية من تحت مطارق المتعصبين القوميين الأتراك والعرب والفرس وحتى الأكراد، لتضعها في رحاب أكثر إنسانية وتقدمية، لتضعها في محيطها الحيوي الحقيقي.. فوق ذلك، فإنّ ربط المسألة بسايكس بيكو وبمجمل الوضع الدولي العالمي وتظهير ترابط مصالح مركز النهب الإمبريالي العالمي مع مصالح الأنظمة المستغلة السائدة في المنطقة، وترابط مصالح هؤلاء جميعهم مع مصالح قيادات متعصبة قومياً ضمن الأكراد أنفسهم. إنّ عملية الربط هذه، تسمح برفع لواء القضية الكردية المحقة ليس من جانب الأكراد وحدهم، بل من جانب شعوب المنطقة كلها بوصفها قضيتهم أيضاً.. فقضية رفع الظلم القومي عن الأكراد تصبح جزءاً أساسياً من عملية رفع الظلم الطبقي الدولي والمحلي عن شعوب يتكلم المتعصبون باسمها ليمتصوا دمائها وتعبها ضمن عمليات تحاصص رأسمالي قذر..
تقدم الوثيقة كحل مرحلي للقضية الكردية انتزاع الحقوق الثقافية كاملة للأكراد كما لغيرهم من القوميات، وانتزاع الحقوق السياسية المتساوية لجميع القوميات معاً. وكذلك تطرح الوثيقة كحل ناجز للقضية، إطار اتحاد أخوي لشعوب الشرق العظيم، يتم ضمنه التوافق على صيغة ترضي الجميع، فإن كانت دولة فلتكن، وإن كانت اتحاداً لا مركزياً شاملاً لشعوب الدول الأربع، فليكن. إنّ هذا الحل الذي يبدو مستحيلاً هو الحل الثوري الحقيقي الوحيد، وهو فوق ذلك ممكن ضمن الظرف الدولي الجديد وتطوراته القادمة، وهو طريق معاكس تماماً لسايكس بيكو ولما تدعو نحوه قيادات التعصب القومي في المنطقة على اختلاف أشكالها..
في العمق، فإنّ الطرح المتعصب قومياً، ليس إلا طرح البرجوازية التي تريد الاستئثار بنهب «شعبها» وثرواته، سواء كانت برجوازية عربية أم كردية أم تركية أم فارسية. وبمقابل ذلك فإنّ اتحاد شعوب الشرق العظيم هو طرح الشعوب نفسها التي تريد التخلص من النهب والاستغلال الداخلي والخارجي..