عصام حوج
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مشهد 1
اللعب على الحبال، ظاهرة من ظواهر مرضية عديدة في المشهد السياسي السوري، البعض يقول الشيء، ويعمل بعكسه، حيث تسمع من يرطن بخطاب في أقصى درجات الحدة، يتجاور فيه الاستفزاز، والاتهام، والتخوين، والتعميم.. لمصلحة طرف، وبشيء من التدقيق، نجد أن موقفه العملي وسلوكه يتطابقان مع مصالح الطرف الآخر الخصم، ونتيجة الموقفين كليهما واحدة، تقودنا إلى المأزق ذاته، لافرق هنا إن كان يدرك ذلك أو لا يدرك، فالأمور في حقل علم الاجتماع السياسي كما في غيره من العلوم تقاس بمآلاتها، وليس بالنوايا.
تعتبر طريقة قراءة التاريخ إحدى جوانب الحرب الإعلامية في إطار الحرب الشاملة الدائرة في عالم اليوم، بين الجديد والقديم، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، بين إبراز الجوانب النيّرة في التاريخ، أو التذكير بالصفحات القاتمة المصبوغة بالدم، بالتركيز على المشتركات بين الجنس البشري، أو التركيز على الأحداث الدامية التي شهدتها بعض مراحل التاريخ في إطار الصراع على الثروة والسلطة، التي قدمها لنا مزورو التاريخ على أنه صراع «حضاري» بين قوميات ومذاهب وأديان،
رغم الاستقطابات السياسية الحادة، والتصدعات المتعددة في النسيج الاجتماعي، يصر الضمير الجمعي السوري على أن يعبر عن نفسه. فالمتابع لما تلهج به ألسنة السوريين عموماً، وما تخطه أقلامهم، وما توحي به نظرات عيونهم، وملامح وجوههم، وما تحفل به صفحات السوريين على شبكات التواصل الاجتماعي، يستنتج ببساطة وحدة وجع السوريين، وقلق السوريين، وأسئلة السوريين، ورغبات السوريين. ثمة مزاج عام على ضرورة منع الانزلاق إلى مستنقع الصراعات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، واستهجان لمن يردد هذه المعزوفة، ومثله الموقف من استمرار نزف الدم السوري.. بالإضافة إلى الرأي العام الذي يتشكل بعد كل ارتفاع للأسعار، أو في ردود الأفعال على أزمات الكهرباء والوقود أو غيرها.
وصف أحد الكتاب فوضى المشهد السياسي اللبناني إبان الحرب الأهلية قائلاً: شخصين وآلة كاتبة يساوي حزب، معبراً بذلك عما فرخته الأزمة من أحزاب وهمية واسمية في ظل وضع اختلطت فيه الأوراق وضاعت المقاييس، حيث أصبح لبنان حينها مسرحاً لمختلف أشكال الاختراقات..
تل تمر، تل شاميران، تل طال، تل هرمز، هي أسماء قرى كانت منسية، قرى متناثرة على ضفاف ما كان نهراً و خابوراً يوم ما، قرى كأنها حدائق معلقة على التلال هناك..
كتب هنري ستيمون مستشار الرئيس الامريكي روزفلت في مذكراته عن دخول الولايات الحرب ضد اليابان وطريقة إقناع الشعب الأمريكي بها قائلاً «المسألة هي كيف يمكن أن نناورهم ليطلقوا الرصاصة الأولى .. من الأفضل التأكد من كون اليابانيين من سيفعلون هذا لكي لا يبقى أي شك نحو من المعتدي»
لم يعد التوتر يخص بلداً أو إقليماً بعينه، فالأزمات و التوتر والعسكرة باتت ظاهرة عالمية تطال حتى أكثر المناطق استقراراً، ولم يعد هناك ما يستطيع منع ذلك، ولم يعد هناك من يستطيع أن يكون بمنأى عن العاصفة، ويضع أسواراً بينه وبين ما يجري في العالم ..
هناك ما يشبه الإجماع بين المتابعين، بأن ما بثته قنوات التلفزة عن إحراق الطيار الأردني «الكساسبة» لم يكن مجرد تصويرأحد الهواة اللذين قذفتهم الأقدار إلى حضن داعش، ولا حتى هو تصوير احترافي من المستوى العادي، بل كان فيلماً متكامل العناصر الفنية مشاهداً، وموسيقاً مرافقة، ومشاهد خلفية، وملامح وجوه، ونبرة صوت، ولوغو..
منذ بداية الأزمة، وحتى انعقاد مؤتمر موسكو، لعبت الكثير من وسائل الإعلام دوراً مؤثراً في تعقيد الوضع المعقد أصلاً، وقد كان وما يزال الشغل الشاغل لها، التشويش على كل جهد خيّر، عبر إبراز ما هو إشكالي حصراً دون غيره، وعبر التركيز على ما هو مختلف عليه بالحد الأقصى، وعبر طرح ما يستفز هذا الطرف أو ذاك، ويزيد من تخندقه، وعبر محاولة تضخيم دور جهة ما، وتقزيم وزن جهة أخرى، وأخيراًعبر تجاهل ما يمكن أن يكون أمراً جامعاً..
من الأمراض المزمنة التي تعاني منها بعض النخب الثقافية والسياسية السورية المعارضة، داء الـ«أنا» المتورمة، داء الذاتية المفرطة، حيث تعتبر الذات المريضة نفسها محور الحدث، فاللقاءات لن تكون ناجحة إذا لم ينظمها هو حصراً، أو على الأقل إذا لم يتصدرها هو، باعتباره الوحيد الضامن، والمؤتمن غير المشكوك في نزاهته ومصداقيته، وهو الوحيد الذي من حقه أن يمنح الشرعية لهذه الجهة المعارضة أو تلك أو يحرمها منه، حتى يكاد أن يردد معزوفة «الممثل الشرعي والوحيد»..