صدى سفر التكوين

صدى سفر التكوين

تل تمر، تل شاميران، تل طال، تل هرمز، هي أسماء قرى كانت منسية، قرى متناثرة على ضفاف ما كان نهراً و خابوراً يوم ما، قرى كأنها حدائق معلقة على التلال هناك..

هناك يمكث بشر هم صدى سفر التكوين، هم بقية قوافل النزوح القسري ممن كانوا قرابيناً على مذبح الخرائط التي ترسم بالقلم في مكاتب الهندسة السياسية الغربية لترسم بالدم في جغرافيا الشرق، ضمن معادلة «الجغرافيا شرقية - المهندس غربي» الدم هنا، والثروة إلى هناك...

 قال محمود درويش في إحدى روائعه:  «.....و تناولوا خمسين كردياً لتزدان المدينة بالتمائم! أنا أرمني، قال كرديٌّ ...فقالوا صالح للطبخ في الأعياد، ينقصنا آشوري و تكتمل الولائم ..»

وليمة اللحم الآدمي في سورية تكتمل، بربرية داعش طالت قرى الخابور في محافظة الحسكة أيضاً، وكالعادة حاول الاعلام البائس أن يعطي هذه الاستباحة بعداً ضيقاً، وكأن المشكلة تخص الآشوريين فحسب، كعادته بعد كل استباحة داعشية فمرة كانت «مشكلة أكراد» ومرة كانت «قضية مسيحيين»، ومرة «قضية شيعة»، ومرة «السنّة» مستهدفون، إن تذكير وسائل الإعلام الدائم بانتماءات الضحايا الدينية أو العرقية وإن كان يتمظهر بأنه دفاع عنهم فأنه يحمل في طياته معان ودلالات نقيضة لمثل هذا الزعم خصوصاً عندما تحاول تقزيم المشكلة إلى مسألة دينية أو عرقية..
 إن ما حدث ويحدث هي قضية الكل السوري، و مهرجان الدم الدائر في هذه الجغرافيا من نزف الجميع، الكل يدفع حصته من الدم والنزوح والتهجير والقتل، كما كان الوضع دائماً، وعليه فإن المواجهة يجب أن تكون شاملة، وبالملموس فإن الدفاع عن تل تمر والقرى المحيطة بها هي قضية وطنية بامتياز، بمعنى آخر هي دفاع عن الذات، إذا أردنا أن تبقى لنا خيمة في هذه الجغرافيا.
 الخاص في مثل هذه الحالة هو، إن المعركة هنا  مركبة تكتسب مضموناً ثقافياً وأخلاقياً أيضاً بالإضافة إلى بعدها الوطني، لاسيما وأن بعض بنى التعدد الثقافي والحضاري في المنطقة باتت مهددة في وجودها، وهي التي كانت على الدوام عامل تماسك  العمارة الوطنية في العديد من هذه البلدان.