مستنقع الملكية الخاصة

مستنقع الملكية الخاصة

 

تطرح مشكلة تفشي ظاهرة القتل، والتوحش والسادية، على امتداد خريطة العالم، السؤال عن ماهية البنية النفسية، والمنظومة القيمية التي تستمد منها مثل هذه الممارسات، ليفتح الباب عريضاً أمام جملة تساؤلات عن أسباب غياب ما هو انساني في العلاقة بين البشر، لصالح ما هو غير إنساني، عن استفحال ظواهر الاغتراب، والقلق الوجودي، والعدمية، عن تفشي النزعات المحلية، والانتماءات الضيقة، وغيرها من الظواهر التي تخالف اتجاه التطور الحضاري الموضوعي الذي من المفترض أن يتجه نحو الأمان والاستقرار والاندماج الطوعي، والعقلنة، والتكامل، والانتماء إلى الجماعة تعبيراً عن تمايز الانسان عن الكائنات الأخرى باعتباره كائناً اجتماعياً، و بما يكسر البنى التقليدية باعتبارها تنتمي بمقاييس التطور الزمنية إلى مراحل سابقة.

بمعنى آخر بات السؤال مطروحاً وبإلحاح عن أسباب ما يبدو ارتداداً تاريخياً عاماً، لتتعدد وجهات النظر  عن الاسباب حسب المصالح الطبقية، والمستوى المعرفي، ومناهج التحليل المتبعة في دراسة الظواهر.

السائد في وجهات النظر هذه، هو أنها قراءات أحادية الجانب، ومجتزأة، وهشّه، حيث هناك من يوعز هذا الارتداد إلى دين أو مذهب أو عرق أو دولة أو فرد، بينما هو في حقيقة الأمر لا تقتصر على جغرافيا محددة، أو أي من البنى الثقافية بذاتها، بل يكمن في البنية الاقتصادية- الاجتماعية السائدة و المهيمنة، يكمن في تعميم النموذج القيمي للطبقة المتحكمة بالثروة والقرار والإعلام عالمياً بـ «الجملة والمفرق».. هذه «النخبة الأممية» المهيمنة، التي تستخدم أرقى ما أبدعه العقل البشري في تسويق نفسها على أنها راعية الحداثة والتمدن، راعية القيم الإنسانية، أصبحت اليوم في موقع تنعدم أمامها الخيارات التقليدية حيث تفرض عليها مصالحها الطبقية الضيقة، وسعيها إلى المزيد من التملك نحو تدمير القوى المنتجة وتسويتها بالأرض، و«إعادة إعمارها»، إلى تعميم كل هذا الدمار المادي والروحي على النطاق العالمي، دون الوقوف عند دماء البشر، أو حدود دولة، أو مقدسات شعب... 

أممية رأس المال، العابرة لكل البنى القائمة، تعزز وتؤكد على أممية أخرى هي أممية المواجهة العابرة بدورها لتلك البنى، باتجاه إنتاج ثقافة تمثل مصالح المتضررين من هذا المستنقع، وأدرانه، وعفونته، والخروج منه نحو نموذج آخر من العلاقة بين البشر.