جنون

جنون

 

لم يعد التوتر يخص بلداً أو إقليماً بعينه، فالأزمات و التوتر والعسكرة باتت ظاهرة عالمية تطال حتى أكثر المناطق استقراراً، ولم يعد هناك ما يستطيع منع ذلك، ولم يعد هناك من يستطيع أن يكون بمنأى عن العاصفة، ويضع أسواراً بينه وبين ما يجري في العالم ..

عندما تصبح أية ظاهرة، ظاهرة عامة، عابرة للجغرافيا، وتتجاوز الحدود السياسية، وتشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة والبنى الاجتماعية، من المنطقي لا بل من الضروري السؤال عن نموذج النظام السائد، عن طبيعة القوى المهيمنة، التي تمتلك أدوات التحكم.

منذ أكثر من عقدين استفرد بالقرار العالمي ما سمي بالنموذج الاقتصادي الليبرالي الجديد، بما يمتلك من أدوات سياسية ودبلوماسية وإعلامية وثقافية، وحاول أن يعيد ترتيب العالم بـ«الجملة والمفرق» كما تقتضيها مصالحه حصراً، والتي تبين بالملموس أنها مصالح ضيقة وأنانية تتناقض مع مصالح الأغلبية.. الأمر الذي أدى الى تفجر تناقضات مركبة، داخل كل بلد ساد فيه هذا النموذج من جهة، وبين هذه الدولة أو تلك من جهة أخرى، لتنفجر سلسلة أزمات عالمية كارثية، لتبدو اللوحة وكأننا نعيش عصر الجنون.
ما أريد قوله أن الجنون السائد لايخص بلداً معينا بحد ذاته، ولا حزباً ولا زعيماً، ولا مذهباً، ولا ديناً، ولا عرقاً، بقدر ما هو نتيجة طبيعية لجشع الرأسمال، وأنانيته، وعفونته، وتفسخه، وتوحشه التي يحاول أن يفرضها على العالم بشتى الطرق، وعليه فإن مجرد الدعوة إلى العودة للعقل، إلى التفكير المنطقي، تتطلب إعادة النظر في هذه البنية المنتجة لهذه السلسلة من الأزمات العالمية، وهو ما بات مطروحاً على جدول الأعمال بحكم ضرورة الإجابة عن أسئلة الواقع الملحة، بغض النظر عن الموقف الأيديولوجي، وعن الانتماء الفكري والسياسي لهذا وذاك، وهذه المدرسة الفكرية أو تلك.
الحديث عن عالمية الظاهرة، أنتج وينتج  أفكار عن عالمية المواجهة، يمكن تلمسها بشكل يومي، مستندة إلى التجربة البشرية السابقة ومضيفة إليها ما يجب أن يضاف، لتودي في طريقها بكل المنظومة المنتجة للجنون السائد.