لنبدأ من هنا!
رغم الاستقطابات السياسية الحادة، والتصدعات المتعددة في النسيج الاجتماعي، يصر الضمير الجمعي السوري على أن يعبر عن نفسه. فالمتابع لما تلهج به ألسنة السوريين عموماً، وما تخطه أقلامهم، وما توحي به نظرات عيونهم، وملامح وجوههم، وما تحفل به صفحات السوريين على شبكات التواصل الاجتماعي، يستنتج ببساطة وحدة وجع السوريين، وقلق السوريين، وأسئلة السوريين، ورغبات السوريين. ثمة مزاج عام على ضرورة منع الانزلاق إلى مستنقع الصراعات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، واستهجان لمن يردد هذه المعزوفة، ومثله الموقف من استمرار نزف الدم السوري.. بالإضافة إلى الرأي العام الذي يتشكل بعد كل ارتفاع للأسعار، أو في ردود الأفعال على أزمات الكهرباء والوقود أو غيرها.
ربما تكون هذه التعبيرات ذات طابع وجداني غالباً، قد تكون حالةً قهر على نزوح قسري، أو نظرةً إلى البعيد البعيد مما وراء البحر وانتظار لقاء الغيّاب، أو تحسراً بسبب العجز عن تأمين علبة دواء لمريض، أو بكاءً على ذكريات بيت أو مدرسة أو حي، قد تكون قصيدة شعر، أو معزوفة موسيقية، أو صرخة، قد تأخذ شكل نكتة، أو حتى شتيمة.. ربما تكون تلك التعبيرات ذات نزعة محلية أحياناً، تتعلق بهذه المنطقة أو تلك، ولكنها بمجموعها، وفي العمق، تعبر عما هو عام، وتشكل معاً ظاهرة سورية عامة، عابرة للاصطفافات السياسية القائمة، عابرة لكل البنى التقليدية التي يتم إحياؤها، وتعتبر مشتركات ملموسة، يتم تجاهلها، ويجري التعتيم عليها إعلامياً، أو يجري التركيز على ما هو عكسها تماماً، أو في أحسن الأحوال يتم توظيفها عكس الاتجاه الصحيح، ولا يسمح لها أن تتبلور وتعبر عن نفسها كما هي على حقيقتها، وهذا ما يحول دون تحولها إلى قوة مادية، فتبقى خارج دائرة الفعل والتأثير على مجريات الأزمة.
بمعنى آخر، السوريون موحدون في ضرورة إيقاف الكارثة الانسانية، التي لايمكن إيقافها إلا من خلال حل سياسي حقيقي، الذي يعتبر المدخل لحل كل الأزمات الأخرى. هنا المشكلة فلنبدأ من هنا..!