مفاوضات متوازية .. ترسم التخوم وتثبّت الأوزان
خلال الأيام الماضية، تكشفت ملامح نزعة عدائية متصاعدة في سلوك الكيان الصهيوني، مدعومة بتيار نافذ في الولايات المتحدة. هذه النزعة تضعنا أمام تباينات صارخة في ثلاثة ملفات مركزية: أوكرانيا، غزة، وإيران.
خلال الأيام الماضية، تكشفت ملامح نزعة عدائية متصاعدة في سلوك الكيان الصهيوني، مدعومة بتيار نافذ في الولايات المتحدة. هذه النزعة تضعنا أمام تباينات صارخة في ثلاثة ملفات مركزية: أوكرانيا، غزة، وإيران.
اختار الرئيس دونالد ترامب أن تكون زيارته الدبلوماسية الأولى خارج الولايات المتحدة إلى الخليج، مؤكداً على رغبته في إبرام صفقات كبرى وتوسيع نطاق تبادل المنفعة، فبين 13 و16 من شهر أيار الجاري عقد الرئيس الأمريكي لقاءات مع قادة ومسؤولين في كلٍ من السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ومن خلال استعراض جدول الأعمال المزدحم وما خرج عنه يبدو أننا ندخل بالفعل مرحلة جديدة.
فرضت الهجمات المتكررة لجماعة أنصار الله في اليمن على البحرية الأمريكية الموجودة في المنطقة- وتحديداً حاملات الطائرات- واقعاً جديداً لا يمكن إغفاله بالنسبة لقوّة محيطية، مثل: الولايات المتحدة، وخصوصاً أن حاملات الطائرات كانت العمود الفقري للبحرية الأمريكية وتحوّلت إلى مراكز قيادة بإمكانيات جبارة، قادرة على نقل وتحريك أسطول جوي متطور مدعّم بأنواع مختلفة من الدفاعات.
اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بإقالة مستشار مكتب الأمن القومي ونائبه، وكلّف وزير الخارجية ليكون قائماً بأعمال المكتب، الخطوة وإن بدت مألوفة إلا أنّها تحمل دلالات خطيرة، وخصوصاً مع ما يتوفر من معلومات عن خلفية قرار ترامب الذي ترافق مع العمل على عدد كبير من الملفات حساسة بالنسبة للولايات المتحدة.
بالتزامن مع جولات التفاوض الإيرانية-الأمريكية التي تستضيفها مسقط، نرى أصواتاً من «إسرائيل» متخوّفة من إمكانية الوصول إلى اتفاق، ما يمثّل بالنسبة للكيان ضربة جديدة ربما تدفعه للقيام بمغامرات غير محسوبة، فالمفاوضات مستمرة على أجندة واضحة ومعلنة، فما الذي جرى تحقيقه حتى اللحظة؟ وما هي فرص الكيان في تخريب إمكانية الوصول إلى اتفاق جديد؟
بعد أن توصلت طهران في 2015 إلى اتفاق حول برنامجها النووي، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى الانسحاب من هذا الاتفاق، ورفض رفع العقوبات عن إيران، مما فرض على كل الأطراف الدوليين- وتحديداً في الكتلة الغربية- الانصياع، خوفاً من تعريض أنفسهم لخطر العقوبات الأمريكية، وبالرغم من أن الرئيس ترامب ظلّ يرى أن قراره كان صائباً لسنوات، عاد اليوم للعمل على صياغة اتفاق نووي جديد مع طهران، ما شكّل مادة دسمة للمحللين السياسيين الذين أخذ كلٌّ منهم البحث عن الزاوية الملائمة لفهم الخطوة الأمريكية، ويمكننا في هذا السياق الحديث عن تيارين أساسيين في هذا التحليل.
منذ أعلن الرئيس الأمريكي عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على عدد كبير من دول العالم، بدأنا نشهد ردود فعل سريعة من المشمولين بهذه الرسوم، ولكن استراتيجية تلك الدول لا تزال غامضة إلى حد كبير، وخصوصاً أن الولايات المتحدة لم تكشف كل أوراقها بعد، ما يجعلنا أمام حرب تجارية عالمية شاملة، يحرص جميع اللاعبين فيها على ضبط سلوكهم وإخفاء نواياهم وخطواتهم اللاحقة، نظراً لحساسية اللحظة، لكن ما سبق لا يمنعنا من توضيح كيف تتعامل الصين مثلاً مع هذه الحرب التجارية.
لم يمض وقتٌ طويل حتى ظهر على الملأ أن زيارة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» إلى واشنطن لم تكن إلا تكراراً «أكثر لباقة» لحفلة التوبيخ التي تعرّض لها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، إذْ روّج نتنياهو وفريقه منذ ترشح الرئيس ترامب لدورة رئاسية جديدة إلى طبيعة العلاقة «الدافئة» التي تجمع نتنياهو بترامب، لكن الأخير لا يوفر فرصة إلا ويذكّر بعصر الجليد القادم!
ما أن أعلن الرئيس الأمريكي عن تفاصيل خطته لفرض رسوم جمركية على دول العالم حتى بدأت التحليلات والتنبؤات، فالخطوة ستكون لها آثار كبيرة، وستصيب التجارة العالمية بصدمة حقيقية قد لا تستطيع التأقلم معها سريعاً، وفي حين تبدو قررات ترامب كما لو أنّها خطوة انتحارية، يرى فيها البعض جزءاً من استراتيجية شاملة، تبدأها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من أن الغموض يكتنف الكثير من تفاصيل هذه الاستراتيجية، لكن يمكننا أن نضع بعضاً من المداخل الضرورية لفهم ما يجري، ونراقب في الأيام القليلة الماضية بدء التداعيات.
تشهد سوق النقل البحري صدمة كبيرة بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها فرض رسوم كبيرة على السفن الصينية التي تنقل البضائع إلى الموانئ الأمريكية، وبالرغم من أن الصورة لم تتضح بعد، إلا أنّها تعكس محاولة أمريكية متأخرة جداً للتأثير على قطاع بناء السفن والنقل البحري، بعد أن حسم المشهد لصالح الصين بدرجة كبيرة.