7 أكتوبر ضربة في لحظة مفصلية
انعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك خلال الفترة 28–30 تموز 2025، برئاسة مشتركة من المملكة العربية السعودية وفرنسا، ضمن إطار مؤتمر رفيع المستوى أنشِئ بهدف نقاش إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وخرج عن هذا اللقاء ما بات يعرف باسم «إعلان نيويورك» والذي ترافق باعترافات غربية بالدولة الفلسطينية.
منذ أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى، وكسرت الحصار وهاجمت مستوطنات محيط غزّة، كان واضحاً أننا أمام نقلة نوعية في القضية الفلسطينية، فرغم الهجوم على العملية التاريخية وتحميل المقاومة الفلسطينية ما ألحقته ماكينة الحرب الصهيونية بالقطاع والمنطقة، إلا أن تقييم ما جرى بمعناه الاستراتيجي يظل أسمى بكثير من كل هذه الأصوات.
جمر تحت الرماد
لم يكن من الصعب معرفة أن السنوات التي سبقت 7 أكتوبر 2023 بدت كما لو أن القضية الفلسطينية بعيدة عن طاولة الحل، لكن طبيعة التغيرات في خريطة التوازنات العالمية كانت تنبئ بعكس ذلك، فالمشروع الصهيوني استطاع تثبيت أقدامه بدعم مباشر ومعلن من الوزن الغربي والأمريكي تحديداً، وما أن بدأت مؤشرات تراجع هذا الوزن كان من البديهي القول: إن الأفق أمام حل القضية أصبح فتوحاً، وهو ما كانت تتلمسه المقاومة الفلسطينية، التي نظرت بقلق شديد إلى المحاولات الأمريكية لتجهيز الأرضية لـ «إسرائيل» وربطها بشبكات إقليمية كانت أكثر هشاشةً مما حاولوا تصويرها، ومن هنا جاء طوفان الأقصى ليضع نقطة علّام للتوازن الجديد، ويحدد السمت للمستقبل القريب.
إن أهميّة الحدث لا يمكن النظر إليها في نطاق فلسطين المحتلة، بل هو في الحقيقة نموذج لما يمكن فعله ضمن الظرف الحالي، وتأكيد على أن زمن الانكسارات ينتهي بالفعل، وهذا بحد ذاته يبدو كافياً لفهم السبب العميق وراء الهجمة المسعورة من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فإن التغيير الحاصل في موازين القوى لم يترافق حتى اللحظة بتجسيد ملموس له في منطقتنا، بل كنا تحت ضغط فوضى شاملة، وتحديداً خلال العقد المنصرم، وجاء طوفان الأقصى بهذا السياق محاولةً لعكس الاتجاه لا في فلسطين فحسب، بل في المنطقة كلّها.
إن قول كل ذلك ضمن إحداثيات المشهد الدامي الحالي يحتاج قدرةً عالياً على قراءة ما يجري ويفترض أن تنجز هذه المهمة تحت النار، ومن هنا يمكننا القول: إن القضية الفلسطينية اكتسبت خلال هذه الأشهر الماضية مستوى غير مسبوق من التضامن العالمي، وتحديداً بين صفوف الشباب الذين بات اليوم تأثرهم بالدعاية المدعومة من أنظمتهم أقل، وهم اليوم كتلة شعبية حقيقية يمكن الاستناد إليها في النضال ضد الكيان الصهيوني وبصالح القضية الفلسطينية، هذا فضلاً عن 9 دول اعترفت بدولة فلسطين منذ طوفان الأقصى، وأعلنت اليوم كلاً من فرنسا وكندا وبريطانيا ومالطا نيتها الاعتراف بفلسطين في الشهور القليلة الماضية.
إعلان نيويورك
«إعلان نيويورك» طرح خارطة طريق مرحلية لإنهاء الحرب في غزة وتجهيز دولة فلسطين المستقلة. نصّ الإعلان على وقف فوري للعمليات وسحب الاحتلال من غزة، وتشكيل لجنة انتقالية فلسطينية، مدعومة دولياً حسب قاعدة «دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد» مع ترك دور الحماية للبعثة الدولية المؤقتة. ودعا إلى دمج غزّة مع الضفة الغربية تحت إدارة واحدة، وأدان بشدة الحصار والممارسات التي أدّت إلى كارثة إنسانية ضخمة. شمل الإعلان أيضاً تحفيزاً دولياً للاعتراف بفلسطين.
من جانب آخر وُجّهت انتقادات لهذا البيان كونه يحمل إدانة صريحة لحماس حول هجوم 7 أكتوبر، ويطالبها بتسليم سلاحها لسلطة فلسطينية واحدة، لكن جوهر ما جاء في الإعلان كان له معنىّ آخر وهو ما يحتاج بعض التوضيحات.
إن حركة حماس وحكمها لقطاع غزّة ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو حالة مؤقتة ونتيجة لسنوات طويلة من الانقسام الفلسطيني، الذي شتت القوى الفلسطينية، وإن كان الحديث اليوم عن توحيد الضفة والقطاع يبدو بنظر البعض تثبيتٌ للسلطة الفلسطينية الحالية، فهو في الواقع أرضية يمكن من خلالها إنهاء الحالة السابقة كلياً، والدفع إلى حالة جديدة، تنخرط فيها كل القوى الفلسطينية، وتعيد إنتاج سلطة جديدة تعبر عن الشعب الفلسطيني بشكلٍ جدي.
التحرك الأخير بحد ذاته ورغم أنه وضع إطاراً زمنياً محدوداً بخمسة عشر شهراً «لم يذكر صراحةً في الإعلان، لكن جرى تداوله في الإعلام على نطاق واسع» لا يمكن النظر إليه بوصفه حلاً نهائياً للمسألة، بل هو في الواقع محاولة تعبير عن مستوى نضج الحل، فبمجرد انعقاد هذا اللقاء الذي كانت المملكة العربية السعودية أحد أهم الداعمين والمخططين له، فهذا يعني أن الطريق بات واضحاً، ولم يعد بالإمكان إعاقته بالشكل السابق، وإن إعلان دول غربية أساسية، مثل: بريطانيا وفرنسا نواياهم للاعتراف بفلسطين، فهذا يعني أنهم يتحضرون لمرحلة قادمة تتغير فيها الإحداثيات.
نقطة البداية
إن قيام الدولة الفلسطينية على حدود 67 ورغم أنّها بنظر قوى عديدة أقل من المطلوب، إلاّ أنّها في الواقع قادرة على إحداث خرق حقيقي طال انتظاره، فإن النظر إلى تاريخ القضية الفلسطينية يكفي لإدراك أن خصومها كانوا حريصين دائماً على إعاقة هذه الخطوة، فهم يعلمون وخصوصاً داخل «إسرائيل» أن قيام دولة فلسطين المستقلة وتوحيد الضفة والقطاع، وإعادة إنتاج سلطة فلسطينية جديدة، هو بمثابة بداية لانهيار المشروع الصهيوني وانكفائه، فذلك من شأنه أن يعيد توحيد القوى باتجاه واحد، وتحديداً في تلك اللحظة التي يبدو فيها الكيان مأزوماً غير قادر على حبس المستوطنين داخله، فإن فكرة الهجرة والاستيطان لا يمكن لها أن تستمر في أجواء كهذه، بل إن الحقائق التي جرى تثبيتها مؤخراً لم يعد بالإمكان عكسها.
برز في الصحف «الإسرائيلية» موقفٌ على إثر الحديث عن الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وهو ما يحتاج قراءة شاملة، لكن من المثير للانتباه، أنهم في «إسرائيل» ورغم أن الاعتراف لا يزال بإطاره الرمزي، لكن وجود فرنسا في القائمة يبدو مؤشراً مقلقاً، فهي بنظرهم «فرنسا قوة عظمى، ومن الدول المالكة للسلاح النووي، وإحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تمتلك حق النقض (الفيتو). علاوةً على ذلك، كانت فرنسا في السابق تُعتبر دولة صديقة «لإسرائيل» وكذلك الأمر بالنسبة للدور السعودي فيما يجري، فبالنسبة لبعض المحللين، يظهر أن أي تفاوض مع السعودية ضمن المعطيات الحالية يضع «إسرائيل» في موقع ضعيف، وعلى هذا الأساس لا يبدو مجدياً بالنسبة لهم حتى فتح النقاش حول قيام الدولة الفلسطينية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1237