أزمةٌ داخل النُّخب: ماسك يُعلن الحرب على الثنائية الحزبية

أزمةٌ داخل النُّخب: ماسك يُعلن الحرب على الثنائية الحزبية

أعلن الملياردير إيلون ماسك يوم الأحد 6 تموز الجاري إطلاق حزبٍ جديد باسم «حزب أمريكا»، الخطوة لم تكن مفاجِئة، وخصوصاً أن حديث ماسك عن هذه الخطوة تكرر عدّة مرات في الفترة الأخيرة، ولن يكون من المبالغة القول بعد هذا الإعلان: إن الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة، تُعتبر تطوراً جديداً في حالة الإنقسام الداخلي.

كان يبدو في الآونة الأخيرة أن حدود الانقسام لا يمكن اختزالها بثنائية جمهوري/ ديمقراطي، وكان وصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة مثالاً على ذلك، فترامب ليس جزءاً أصيلاً من البنية السياسية التقليدية، ولكنه استطاع تمثيل الحزب الجمهوري، ومع ذلك ظهر في مرات عدّة أنّ توجه ترامب لا يُعبر أبداً عن الجمهوريين كلّهم، وأخذ الفرز أشكالاً عديدة.

عندما تتقاطع مصالح الكبار!

اعتمد ترامب في صعوده على تيار واسع من الأمريكيين الذين رأوا في برنامجه المطروح أملاً في واقعٍ جديد، لكن تجربته خلال ولايتين رئاسيتين برهنت أن البرامج المعلنة ستكون خاضعة إلى توازنات داخلية أثّرت دائماً على قدرة الرئيس للمضي قدماً.

وفي أثناء حملة ترامب للترشح، ظهر ماسك بوصفه داعماً أساسياً له، وقدّم الكثير من الدعم المالي والإعلامي، فبحسب الأرقام المعلنة تبرع ماسك منفرداً بمبلغ 288 مليون دولار، كما أسس لجنة العمل السياسي التي جمعت بحسب بعض التقديرات مبلغاً إجمالياً يقدر بـ 290 مليون دولار، ساهم ماسك بنسبة كبيرة منها، وما أثار الانتباه في حينه، هو أن التقارب بين الرجلين لا يمكن النظر إليه بوصفه «علاقات شخصية» أو حتى علاقات مصالح ضيقة، بل يجب النظر إليهما بوصفهما ممثلان عن تيارات موجودة بالفعل داخل الولايات المتحدة، وبالنسبة لماسك فهو واحد من رجال الأعمال الذين يستثمرون بالقطاع الإنتاجي الصناعي، ويعملون في مجال صناعة التكنولوجيا، وهو واحدٌ من القطاعات الرائدة في الولايات المتحدة، ما عكس في ذلك الوقت توافقاً بين هذه الشريحة وأولئك الذين يمثلهم ترامب من داخل بنية النظام.

ما الذي فرَّق بين ماسك وترامب؟

التوافق الذي ساد المشهد في الأشهر الأولى سرعان ما بدأ يتبدد حتى وصل إلى حربٍ مفتوحة بين ماسك وترامب، وظهر على السطح أن الخلاف بدأ حول مشروع قانون الإنفاق الذي قدمه الرئيس، والذي يرفع سقف الدين الأمريكي بمقدار 5 تريليون دولار، ويشمل إلغاء إعفاءات ضريبية في ميادين متعددة منها ما يصل إلى 7500 دولار لمشتري بعض طرازات السيارات الكهربائية، ورغم أن ما تقوله وسائل الإعلام قد لا يشكّل إلا رأس جبل الجليد، لكنّه يكشف في الوقت نفسه أحد جوانب التناقض، فماسك كان يدفع باتجاه إنفاقٍ أقل من قبل الدولة، لكن القانون الذي يطرحه ترامب تحت اسم «القانون الكبير الجميل» ورغم أنّه قلص الإنفاق في بعض الجوانب إلا أنه قلّص الموارد وسيضيف، وفقًا لتحليل أجراه مكتب الميزانية في الكونغرس، 3.3 تريليون دولار إلى العجز الفيدرالي، دون احتساب تكلفة خدمة الدين، فزيادة الإنفاق هذه، وخصوصاً إذا ما موّلت من الإقراض فيمكن أن تؤدي في ظروف محددة إلى ارتفاع في نسب التضخم ورفع في الفوائد، ما يمكن أن يقلل قدرة الشركات الصناعية على الاقتراض، وبالتالي يجدون أنفسهم في ظل نقص حاد في قدرتهم على الاستثمار.

لا شك أن تحليل الخلاف مسألة صعبة ضمن المعطيات الحالية، لكننا نتحدث عن تضارب بين مصالح فئات طبقية واسعة ومؤثرة، والأهم، أن أصحاب الاستثمارات الصناعية والتكنولوجية الكبرى يرون اليوم أنّهم غير قادرين على تمثيل أنفسهم بالشكل المطلوب داخل البنية التقليدية للحزبين، وهذا ما دفع ماسك للقول: «إننا نعيش في نظام الحزب الواحد، وليس في ديمقراطية» وركّز في هجومه على كلا الحزبين ولم يتجه لدعم خصوم ترامب من الديموقراطيين مثلاً، ويظهر من خلال الخطاب الأولي، أن ماسك ومن خلفه يحاولون استقطاب الشريحة المجتمعية ذاتها التي اعتمد عليها ترامب، ويقومون بذلك عبر إعادة إنتاج شعارات مشابهة واعتماد اسم «حزب أمريكا».

من جانبه قال الرئيس الأمريكي: إن الولايات المتحدة ستكسب «ثروة» إذا توقفت شركات ماسك عن إنتاج السيارات الكهربائية، وعن إطلاق الأقمار الصناعية، في إشارة إلى حجم الدعم والتسهيلات الحكومية التي تلقاها ماسك، واعتبر ترامب أن هذه ستكون أفضل «طريقة لتوفير المال» وفي رده على هذا، أعلن ماسك أنّه سيبدأ بتفكيك مركبة سبيس إكس دراغون الفضائية التي تعتمد عليها ناسا في مهام النقل إلى الفضاء، ما يمكن أن يلحق ضرراً على برامج الفضاء الأمريكية.

التناقضات أكبر من القدرة على احتوائها

البنية السياسية التقليدية داخل الولايات المتحدة لم تعد قادرة على احتواء التناقضات في داخلها، وهذا تحديداً ما دفعنا للاستنتاج أن إعلان ماسك هو مؤشر جدي على طبيعة التحول الجارية، فحتى وإن وُئد هذا الحزب في مهده، فلن يغير هذا من حقيقة أن الظروف الموضوعية باتت أنضج من أيّ وقتٍ مضى، فالاعتماد على البنى التقليدية الموجودة لا يتناسب مع حجم الأزمة الحالية، لكن هذا لا يعني بحالٍ من الأحوال أن ماسك قادر على تغيير المعادلة، فلا يزال برنامج الحزب المزعوم غير واضح، هذا فضلاً عن أنّ الحزب لم يرخص بعد، وقد يواجه عقبات قانونية كبيرة، وتحديداً أنّه يهدف إلى كسر ثنائية يقوم عليها نظام الحكم الأمريكي، فهناك تجارب سابقة عملت على كسر الثنائية الحصرية، ولكنّها لم تنجح، لكن الظرف اليوم تغير ولا يمكن الجزم الآن بقدرة ماسك على إنجاز ما يعلنه، فهو لا يتحدث عن التعقيدات، أو كيف يخطط لتجاوزها، ويعلن في الوقت نفسه أن حزبه «سيصبح قوة سياسية فاعلة خلال انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، وأنه سيركز في البداية على دعم المرشحين في عدد قليل من انتخابات مجلسي النواب والشيوخ» لكن من المتوقع أن هذا الصدام يمكن أن يتطور خلال الفترة القادمة، ولن يكون مستغرباً أن تظهر وجوه جديدة على الساحة، وسيكون على الأطراف المتصارعة أن تستخدم كل ما يمكنها أن تستخدمه من أدوات للضغط والتأثير، ما يعني مشهداً داخلياً أكثر اضطراباً، مع ما سيرافقه من تأثيرات على الأسواق داخل الولايات المتحدة وخارجها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233
آخر تعديل على الأحد, 06 تموز/يوليو 2025 22:23