«بريكس» وحرب النقاط في العالم!

«بريكس» وحرب النقاط في العالم!

انتهت منذ أيام القمة السابعة عشرة لمجموعة بريكس، والتي عقدت في ريو دي جانيرو البرازيلية، وتضمن الحدث جدول عملٍ مزدحم وقضايا كثيرة طرحت للبحث، هذا فضلاً عن أن «بريكس» وبعد بدء توسيعها باتت مساحة لعقد لقاءات ومشاورات بين مسؤولي دول الجنوب العالمي، لكن ما الذي حققته هذه القمة، وهل وجهّت، بالفعل، ضربة موجعة للدولار كما يقول بعض المراقبين؟

أنهت القمة أعمالها بعد يومين من العمل في 6 و7 تموز الجاري، ومع أن البيان الختامي نُشر، إلا أن التساؤلات حول القمة كثيرة ومتعددة، منها ما يرتبط بالحضور، ومنها بانضمام دول جديدة، ويبدو أن المشكلة الأساسية في فهم «ظاهرة بريكس» تُرد إلى المحاولات الغربية المتكررة لحشر التجربة الجدية ضمن القوالب الغربية التقليدية، لكن ربما تكون نقطة البداية المناسبة للموضوع، هي من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

«إنه لتهديد حقيقي»!

في يوم الأحد 6 تموز، خرج ترامب في تصريح على منصته الخاصة، ليقول: «أي دولة تنحاز إلى السياسات المعادية للولايات المتحدة الأميركية لمجموعة بريكس ستُفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10%، لن يكون هناك أي استثناءات لهذه السياسة. شكرا لكم على اهتمامكم بهذا الأمر!».

بدا واضحاً أن الرئيس الأمريكي لم يكلّف نفسه عناء الاعتماد على الدبلوماسية، بل أراد أن يُفهم تصريحه بوصفه تهديداً صريحاً، ولا مجال لتفسيره بأي شكلٍ آخر، لكنّه ينسى مسألة ليست هامشية أو ثانوية على الإطلاق! فالسلاح الذي أشهره ترامب في وجه بريكس «التعريفات الجمركية» هو بالتحديد ما بإمكانه أن يوحد هذه المجموعة، فبالنسبة لدول الجنوب العالمي تبدو بريكس وقبل الخوض في تفاصيلها وأهدافها، حاجة حقيقية كإطار فعال لتقليل التأثيرات الغربية على اقتصاد هؤلاء، أي أن بريكس هي واحدة من الأطر التي نشأت موضوعياً بوصفها تعبيراً عن مصالح دول الجنوب، وضرورة التنسيق فيما بينهم لدرء الخطر المشترك.

من هذه الزاوية لا يمكن النظر إلى المجموعة بوصفها تحالفاً بالمعنى الغربي، ولا يشبه أيّاً من النماذج الموجودة سابقاً، فالنموذج الوحيد المألوف هو ذاك الذي تقوده الولايات المتحدة وتحدد أهدافه، وتفرضها على كل الأطراف، لكن هذا لا يشبه بريكس، فالدول الأعضاء في المجموعة لديها مواقف متباينة في عددٍ من المسائل، وقد لا تتفق على كثير من الملفات، لكنّ ما يجمعها هو أنّها ترى أن العالم أحادي القطب قد انتهى، ويقع على عاتقها قبل غيرها أن تضع الأساس لعالم جديد مختلف، يقوم على توزيع المشاركة بالقرار العالمي بحسب حجم إسهام كل طرف بالإنتاج والسكان وغيرها من المعايير.

يبدو قلق ترامب مبرراً، وتحديداً كونه رئيس الولايات المتحدة في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه، فالمسائل التي تتفق عليها دول بريكس وتسعى لتحقيقها ستحرم الولايات المتحدة من كل ميزاتها المطلقة التي فرضت سواء بالقوة الناعمة أو الخشنة على مر عقود، والتي ضمنت لها هذا الموقع العالمي.

والمثير للاهتمام أن التهديد الذي أطلقه ترامب لم يكن رادعاً ودفع عدد من الدول للرد كان أبرزها ردّ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي قال: «نحن دول ذات سيادة لا يلزمنا إمبراطور» وأضاف: «إذا كان يعتقد أنه يستطيع فرض ضرائب، فمن حق الدول الأخرى أن تفرضها أيضاً. هناك قانون المعاملة بالمثل».

ورغم التهديد، أشار البيان في عدد من المواضع إلى قضايا لا تسر الولايات المتحدة، مثل: الإشارة الواضحة إلى ضرورة «إصلاح مؤسسات بريتون وودز» لتكون أكثر مصداقية وملائمة للغرض من إنشائها، وضرورة أن تكون خاضعة للمسائلة والتمثيل العادل، ويقول البيان أيضاً: إنّه من الضروري زيادة صوت وتمثيل الأسواق الناشئة والدول النامية في صندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، التي تحتل ضمنها واشنطن موقع مهيمن إذ تملك حاولي 16% من إجمالي الأصوات العالمية في صندوق النقد، بينما تحصل الصين على حوالي 6% والهند وروسيا أقل من 3% لكلً منهما، البرازيل وجنوب أفريقيا أقل من 1%!

المسألة تتجاوز الإصلاح

إن مراقبة سلوك ونشاطات مجموعة بريكس تبدو مسألة معقدة، وليس من السهل الإلمام بكل الجوانب التقنية، لكن ما يبدو بوضوح، هو أن دول المجموعة تعمل على اتجاهين متوازيين، الأول: يقوم على خلق بديل كامل ومتطور عن كل البنية المالية الغربية. الثاني: هو خلق إطار حيوي يجمع دول الجنوب الأساسية، ويعمق الشراكة والتعاون فيما بينهم.

وعند الحديث عن البنية المالية الغربية، قد يحصرها البعض بنظام SWIFT أو البنك الدولي وصندوق النقد، بينما تبدو المسألة أشد تعقيداً في الواقع، فهناك أيضاً شبكات المقاصة والتسوية ومؤسسات الحفظ والتوديع، وبنك التسويات الدولية «BIS» وأسواق الأوراق المالية، والتأمين الدولية، وأيضاً جوانب أخرى مرتبطة بالمعايير والإشراف وغيرها، وإذا ما أردنا تحديد كل الأسس التي يقوم عليها النظام المالي الغربي، وتفرعاته نجد أن مجموعة بريكس مع كل عام تخطو خطوة للأمام، ونحن نعلم اليوم أنهم شارفوا على إنشاء البنية البديلة الكاملة وقد تكون جاهزة للتشغيل خلال سنة، أو بضع سنوات كحد أقصى، ففي القمة الأخيرة مثلاً، أُعلن عن إطلاق «BRICS Pay» كبديل عن نظام SWIFT وأعلن المجتمعون أن بريكس بدأت الدراسة التقنية لإنشاء بنية «BRICS Clear» التي تعد الإطار الأوسع الذي يضم كل أعمدة النظام المالي الجديد، هذا إلى جانب توسيع عضوية بنك التنمية «NDB» وغير ذلك من الخطوات الملموسة التي أنجز الكثير منها سابقاً، وخصوصاً تلك التي ترتبط بتسهيلات التبادل بالعملات المحلية، وصناديق الطوارئ الجماعية...إلخ.

في الختام

من يراقب نشاط مجموعة بريكس يعلم يقيناً أنّها لن تخرج بإعلان مفاجئ وغير متوقع، بل إن المجموعة تعمل بشكلٍ دؤوب على تحضير كل ما يلزم لعالم ما بعد الأحادية القطبية، ونظراً لكونها مركز الإنتاج العالمي اليوم فهي الأقدر على صوغ الملامح العامة للمرحلة القادمة، إن المشهد العام لبريكس يبدو من بعيد كما لو أنّه كتلة بشرية نشطة مسلّحة بكل ما تحتاجه من تكنولوجيا متطورة، وتجمع قواها، وتستعد لاستلام دفّة القيادة، قد يظن البعض أن البريكس قادرة الآن على توجيه «ضربة قاضية» للدولار والمؤسسات المالية الغربية، لكن جوهر المسألة يكمن في أن العالم كان غارقاً في المؤسسات الغربية وفي الدولار، وإن أي اتجاه معاكس يجب أن يكون تدريجياً ومدروساً، بدلاً من أن يتحول إلى كارثة يتضرر منها الجميع!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1234