حتى بعد اثني عشر يوماً من التهدئة: أضرار «إسرائيل» تتكشف تباعاً
رغم مرور أيام على وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وإيران، لا تزال تتكشف تدريجياً تفاصيل الخسائر التي لحقت بالعمق «الإسرائيلي» خلال المواجهة غير المسبوقة التي استمرت اثني عشر يوماً. وبفعل الرقابة العسكرية المشددة والتعتيم الإعلامي، بقيت الصورة الكاملة غائبة عن الرأي العام، لكن تقارير لاحقة بدأت تضيء على حجم الدمار. وكان أحدث ما نُشر في هذا السياق تقريرٌ لصحيفة التلغراف البريطانية بتاريخ 5 تموز، فيما يبدو أنه جزء من سلسلة تقارير تخرق الحظر تدريجياً وتكشف عن أضرار أكبر بكثير مما أُعلن رسمياً حتى الآن.
ملاحظات لا بد منها
تواجه عملية توثيق الأضرار تحديات جمّة نتيجة الحظر الصارم الذي فرضته سلطات الاحتلال على وسائل الإعلام. فقد منعت الرقابة العسكرية نشر أي صور أو تفاصيل عن مواقع الضربات، وألزمت وسائل الإعلام بالحصول على موافقات مسبقة قبل النشر، فيما صادرت الشرطة معدات من وكالات أجنبية مثل الأناضول والجزيرة، ومنعت فرقاً إعلامية من دخول مناطق متضررة رغم حيازتها تصاريح رسمية. كما اعتُبر التصوير والنشر من مواقع الاستهداف جريمة جنائية قد تصل عقوبتها إلى ثلاثين شهراً من السجن. وقد انعكست هذه القيود على التصنيف الدولي لـ«إسرائيل» في مجال حرية الصحافة، حيث جاءت في المرتبة 112 عالمياً، متساوية مع دول مثل تشاد وهايتي، بحسب «مراسلون بلا حدود».
حجم الضربات والأضرار
ورغم هذه التغطية المشوّشة، بدأت تتسرب تدريجياً مؤشرات على حجم غير مسبوق من الخسائر. ووفقاً لتقارير رسمية، أطلقت إيران خلال الحرب أكثر من 550 صاروخاً بالستياً، أي ما يقارب سدس ترسانتها بحسب التقديرات «الإسرائيلية»، إلى جانب أكثر من ألف طائرة مسيرة. وقد استخدمت طهران تقنيات متقدمة شملت صواريخ فرط صوتية محمّلة برؤوس شديدة التفجير. وعلى الرغم من ادعاء جيش الاحتلال اعتراض 80% من هذه الهجمات، فإن الصور المسربة وشهادات السكان ومطالبات التعويض الواسعة تكشف أن نسبة الاختراق كانت أكبر بكثير.
فقد تقدّمت شركات التأمين بنحو 40 ألف مطالبة تعويض، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 50 ألفاً خلال الأسابيع المقبلة، فيما وصف مدير هيئة الضرائب هذا الوضع بأنه «الأخطر في تاريخ [إسرائيل] من حيث حجم الأضرار». ويؤكد المسؤولون أن موجات الصدمة الناجمة عن الضربات طالت مناطق واسعة من وسط «إسرائيل»، وبخاصة منطقة تل أبيب الكبرى، التي تؤوي نحو نصف السكان في أحياء مكتظة ومبانٍ شاهقة.
وفي تل أبيب وحدها، تضرر نحو 480 مبنى، بينها عشرات الأبنية التي دُمّرت بالكامل أو لم تعد صالحة للسكن. وفي مدن مثل رمات غان، بات يام، ريشون لتسيون، رحوفوت، حيفا، وحولون، تكررت المشاهد ذاتها: مبانٍ مدمرة، واجهات منهارة، وشقق غير قابلة للسكن. وقدرت وزارة حماية البيئة أن مخلفات البناء الناجمة عن الدمار تجاوزت 800 ألف طن، وهو رقم أولي مرشح للارتفاع في حال صدرت قرارات إضافية بهدم أبنية جديدة.
عن أضرار المنشآت الاستراتيجية والعسكرية
لم تقتصر الأضرار على الأحياء السكنية. فقد تعرّضت منشآت استراتيجية وحيوية لضربات دقيقة، من بينها مصفاة بازان في حيفا، التي تنتج أكثر من نصف وقود الديزل وقرابة نصف البنزين المستخدم في الكيان. وأدى استهدافها إلى مقتل ثلاثة موظفين، وأضرار كبيرة في مرافق التكرير والنقل، تقدر بمليارات الشواكل. كما تضررت محطة كهرباء في مدينة أشدود وخرجت عن الخدمة، في وقت ضربت فيه الصواريخ معهد وايزمان للأبحاث، المحاط بأبنية مدنية.
أما على الصعيد العسكري، فقد كشفت تقارير صحفية التلغراف أن الصواريخ الإيرانية أصابت خمس منشآت عسكرية «إسرائيلية» رئيسية، لم يُعلن عنها سابقاً، منها قاعدة جوية ومركز استخباراتي وقاعدة لوجستية، توزعت بين الشمال والوسط والجنوب. فيما تشير المصادر الإيرانية إلى أن أكثر من 150 موقعاً عسكرياً وأمنياً تعرّضت للاستهداف، من ضمنها مقر القيادة العامة للجيش (الكرياه) ومراكز لتخطيط عمليات جهاز الموساد، ومستودعات ذخيرة. ورغم محاولات التعتيم، اضطرت الحكومة إلى الإقرار بهذه الأضرار جزئياً، ما دفعها إلى طلب زيادة فورية في ميزانية الدفاع بقيمة 40 مليار شيكل.
ضغوط محلية بعد صدمة كبيرة
أمام تصاعد الضغوط المحلية، طالب عدد من رؤساء البلديات، بينهم رئيسا بلديتي تل أبيب وحيفا – وكلاهما ضابطان متقاعدان – بإخراج المنشآت العسكرية من داخل المدن، بعد أن تبيّن أن وجودها يجعل من تلك المناطق أهدافاً مباشرة في أي مواجهة قادمة.
اقتصادياً، قدّر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن كلفة الحرب قد تتجاوز 12 مليار دولار، في حين أشار محافظ «بنك إسرائيل» إلى أن الرقم المرجح يبلغ نحو 6 مليارات، محذّراً من تداعياتها على اقتصاد يعاني أصلاً من تباطؤ وضغوط. وقدّرت بلدية تل أبيب وحدها خسائر المدينة بنحو 10 مليارات شيكل «2.7 مليار دولار أمريكي»، فيما يعمل أكثر من 140 طاقماً من صندوق التعويضات مع مهندسين ومقيمين لتقدير الأضرار في مختلف المناطق.
وفي شهادات لافتة، عبّر العديد من السكان عن فقدانهم الإحساس بالأمان، بعد أن تبيّن أن الضربات استهدفت حتى المناطق التي تضم مقار وزارة الدفاع ورئاسة أركان الاحتلال. وقال أحد سكان تلك الأحياء، وهو محامٍ يخدم في جيش الاحتياط، إنه «رغم أن إيران تلقت ضربات قوية، يجب قول الحقيقة بشأن ما ألحقه الإيرانيون بنا من أضرار، فقد أصابوا العديد من المواقع بدقة، وكان الثمن باهظاً. وعلى قادتنا أن يكونوا صريحين معنا بشأن ذلك».