السويداء… دروس دامية جديدة!

السويداء… دروس دامية جديدة!

فُرض على السوريين خلال السنوات الـ14 الماضية أن يتعلموا الدروس من دمائهم، ومع ذلك يصر البعض على جرنا مجدداً إلى نقطة البداية كما لو أن السوريين لم يتعلموا شيئاً بعد!

إذا ما أردنا تأمل ما جرى حولنا، خلال الأسبوع الماضي، وبعيداً عن العنف وجرائم القتل والخطاب الثأري التحريضي الذي تسيد المشهد كخدمة مباشرة لمشروع تقسيم سورية الذي تعمل عليه «إسرائيل» علناً، يمكننا أن نقول: إننا تعلمنا دروساً جديدة.

سورية أبعد ما يكون عن الاستقرار!

بعد محاولات كثيرة لتصوير المشهد السوري أنه «مستقر» ويذهب إلى «الازدهار» جاءت أحداث السويداء الدامية لتثبت العكس تماماً، وتؤكد أن ما جرى حتى اللحظة لا يتعدى حدود الحلول التجميلية حتى الآن؛ فالمشاكل الكبرى الأساسية لم تحل، ولم ينجز توافق حقيقي يجمع السوريين، بل إن الوضع يتجه إلى التدهور، ومع كل يوم تأخيرٍ إضافي نقترب أكثر من تقسيم البلاد ودفع أبنائها للاقتتال فيما بينهم.

عندما قلنا، في حزب الإرادة الشعبية: إننا نحتاج فوراً لعقد مؤتمر وطني شامل يعالج كل المسائل عبر الحوار، ويصل إلى مخرجات ملزمة تحدد ملامح المرحلة الانتقالية، لم نكن نحاول تعكير «صفو الأجواء»، بل كنا مدركين أننا مقبلون على كارثة حقيقية، فكل الاحتفالات والدبكات الشعبية التي جرت خلال الشهور الماضية كانت تعبيراً عن فرحة الناس بزوال حقبة الأسد السوداء، ولكنّها كانت في الواقع تجري فوق برميلٍ من البارود وفتيله مشتعل لم يلحظه البعض، وتعامى عنه بعض آخر رغم رؤيتهم إياه!

والحقيقة، أن الأيام الأخيرة في السويداء وقبلها في الساحل وغيرها من المناطق ورغم دمويتها وقسوتها ليست إلا «بروفا» لما يمكن أن يحصل إذا ما حدث الانفجار الشامل، ولذلك إن كان الحديث عن مؤتمر وطني جامع يبدو للبعض إجراءً شكلياً يمكن القفز فوقه، فالحقيقة أن بقاء سورية اليوم مرهون بإنجاز هذا «الإجراء».

الذعر كأداة للتحكم بسلوك السوريين!

ما جرى في السويداء ترك أبناء المحافظة مصدومين من هوله، ورغم أن أعداد الضحايا من المدنيين لم يتم حصرها بعد، إلا أن الأرقام الأولية تتحدث عن المئات بينهم نساء وأطفال وشيوخ قتلوا داخل بيوتهم بدمٍ بارد ووثق المجرمون ما فعلوه بكاميراتهم، وقاموا بنشر المشاهد المروعة لتعيد تذكير السوريين بكابوس أسود لا يريدون أن يعيشوه مجدداً.

وهنا لا بد لنا من أن نكرر السؤال: ما غرض المجرمين من تصوير جرائمهم؟ سواء ما جرى داخل مدينة السويداء، أو ما جرى للبدو الذين كانوا تاريخياً جزءاً من نسيج المنطقة؟ الجواب كان دائماً: إن هذه المشاهد المروّعة تستهدف الأحياء بالطبع، بغية التأثير على قناعاتهم وتفكيرهم وسلوكهم اللاحق، حتى أن قتامة المشهد باتت بنظر شريحة واسعة دليلاً على انسداد الأفق، وغياب أيّ حلٍ ممكن، ولذلك بدا كما لو أن القتال هو «الحل الوحيد» وهو ما يهدد بالانجرار في أي لحظة لصدام أشرس وأكثر دموية وأوسع نطاقاً!

الحل السياسي!

ما إن خرج أول متظاهر سوري عام 2011 حتى وجد النظام البائد نفسه أمام ظاهرة لم يشهد مثلها منذ عقود. بل يُجزم أن كثيرين من ضباط الأمن لم يسبق لهم أن رأوا مظاهرة حقيقية في حياتهم! فبان عجز النظام عن الفهم أولاً، ثم عن الحل ثانياً. وكأن «كاتالوغ النظام» لم يقدّم شرحاً للتعامل مع جيشٍ من السوريين قرروا أن يصرخوا في الشوارع غير آبهين بالقمع.

عندها لم يرض النظام السوري حلّاً إلا بأن يُطلق الرصاص على متظاهرين عُزَّل. واعتمد منذ تلك اللحظة الحل الأمني- العسكري، وكان ذلك بمثابة عجزٍ مطلق عن قراءة الواقع وإدارة البلاد.

فتحت هذه الجريمة باب العنف، وأسس اعتماد الحل الأمني لكل الفظائع التي أتت بعده! ولا داعي للتذكير بحجم الفاتورة التي دفعت، وكم الخسائر التي أعادت بلادنا عقوداً إلى الوراء.

استذكار ذلك الآن ورغم استهجان البعض، هو مسألة أساسية، بل ضرورة وطنية حقيقية، فمنذ سقوط النظام وحتى اللحظة ظهرت إلى السطح آلاف القضايا، التي تبدأ من الحفاظ على وحدة البلاد وشكل وطبيعة الدولة ودستورها، مروراً بالنموذج الاقتصادي المعتمد، وخطة العمل لإعادة بناء سورية، ووصولاً لبناء هوية وطنية جامعة تجمع السوريين جميعاً. ورغم أهميّة كل هذه القضايا لم يفتح الباب حقاً أمام السوريين لإبداء رأيهم بأيٍ منها، ويجري العمل على «سورية الجديدة» على أساس أن القرار يتخذ «من فوق» وثم يقدم للسوريين! ويبدو هنا من البديهي القول: إن عملية «بناء الدولة» ليست حتى اللحظة عملية يقوم بها السوريون مجتمعين، ولذلك نرى مشاكل كبرى من أقصى شمال سورية إلى أقصى جنوبها. ويبدو مثال السويداء صالحاً لعرضه ضمن هذا السياق، وخصوصاً أن رائحة البارود والدم والدخان تملأ الأجواء.

«على الملأ» بدلاً من «وراء الأبواب المغلقة»

إن الانطلاق من كون المشكلة في الشمال الشرقي، أو في الساحل، أو في الجنوب، أو غيرها... هي مشاكل منفردة يمكن حلّها بمعزل عن بعضها البعض، هو في الحقيقة جوهر المشكلة، فبدلاً من طرح كل القضايا أمام الناس بشكلٍ شفافٍ وعلني ومتوازٍ، ويترك لهم الحق بإبداء الرأي ورسم ملامح الحل، يجري أمرٌ معاكس تماماً، ففي السويداء مثلاً: جرت مشاورات كثيرة خلف الأبواب المغلقة لم يحضرها سوى العشرات من السلطة وأبناء المحافظة، ولا يعرف ملايين السوريين ما هي وجهة نظر كل طرف، وما هي القضايا الخلافية حقاً، ومع ذلك وعندما انفجرت المواجهات الدامية لم يدفع ثمنها أبناء السويداء فحسب، بل كل السوريين، ووجدنا أنفسنا أمام خطر حرب أهلية حقيقية، ما يجعل المطالبة بعقد مؤتمر وطني حقيقي وشامل وجامع أبعد ما يكون عن الترف، بل هو المخرج الوحيد الممكن.

وبعد الأحداث التي جرت في السويداء، يبدو أنّه من حقنا أن نسأل: ماذا يجري وراء الأبواب المغلقة في المفاوضات مع قسد؟ وما الذي يمكن أن يحصل إذا وصلت هذه المفاوضات إلى طريق مسدود؟! هل سنكون مستعدين لدفع فاتورة جديدة من الدماء بعد أن فشل الآخرون بالوصول إلى توافق؟! أم أن السوريين قادرون إذا ما تحملوا مسؤوليتهم حقاً وجلسوا حول طاولة الحوار، أن يجدوا حلّاً لكل هذا؟!

«إسرائيل» ومشروع التقسيم!

طوال الأيام والشهور الماضية، ركّزت «إسرائيل» على أنّها «الحامي» لبعض السوريين، ولا نخفي حقيقةً إن قلنا: إن كذبة بهذا الحجم كانت قابلة للتصديق بنظر البعض، وهذا يعد مؤشراً جدياً على حجم الضرر الذي لحق بالهوية السورية، فالعدو «الإسرائيلي» بسلوكه هذا يعقّد المشهد، ويضع السوريين بموقع الخصام، وإذا ما أردنا إعادة تنشيط فطرة السوريين، التي أدركت منذ اللحظات الأولى حجم التهديد الذي حمله المشروع الصهيوني لسورية وأهلها، ينبغي أن يرى السوريون في بلدهم ضامناً لكرامات الجميع، وأن يقطعوا بتفاهمهم الطريق أمام من يتاجر بالخلافات الداخلية؛ فقدرة الصهيوني على التسرب بيننا تأتي بالضبط من الثغرات التي نتركها له، والتي اتسعت كثيراً خلال السنوات الماضية، وتتسع مع كل قطرة دم سورية جديدة تجري إسالتها بيد السوريين أنفسهم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235