عبد الرزاق دياب
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
انكسر الحلم الذي خدعنا، تشظى كمرآة توارثتها الجدران، وتجمهرت على بوابتها الوجوه، مرة لمسح دمعة، لتهذيب تسريحة مستوردة، لتفحص التجاعيد، وأخرى كنظرة وداع.
هكذا خرت أحلامنا على مر السنوات الطويلة، وتداعت مع عمرنا المطارد دعواتنا الصارخة إلى هسيس مجروح، تعلمنا حبس الدموع لأنها لا تليق بالرجال، ابتلاع الصيحات المخنوقة خوفاً من فاسد متنفذ، استمرأنا الحلول المجزأة، أنصافها، نسيان ما لنا وما علينا، لأننا اقتنعنا بالأمر الواقع على الرؤوس.
أوردت بعض الصحف الالكترونية الخبر التالي:
ما أن يستلم سعيد -الذي لا يعرف من السعادة سوى الحروف التي تشكل اسمه- فيش الراتب الشهري من محاسب الوظيفة حتى يندس في ركن قصي ويذهب بعيداً في الخيال، الشرود الاقتصادي الذي يمارسه بداية كل شهر، ويحضّر له في الأيام الخمسة الأخيرة منه.
قبل أن تضع أم خالد رأسها في استراحته الأخيرة سالت دمعتان خائرتان على مفرق عينها اليسرى ومضت، عاد الأبناء من العمل.. الأم ميتة بصمت سوى دمعة متوقفة عند الخد المتهدل.
(أكدت رئاسة مجلس الوزراء في تعميم أصدرته مؤخراً على جميع الجهات العامة لتطبيق أحكام القانون رقم 1 لعام 2003 المتعلق بقمع مخالفات البناء أثناء أو بعد ارتكابها واتخاذ الإجراءات الناظمة بحق المخالفين وفقاً لأحكام القانون المذكور وبما يحول دون ظهور تجمعات سكنية وأبنية مخالفة جديدة تتطلب تقديم الخدمات لها مما يشكل عبئاً مادياً على الدولة نتيجة لجوء قاطنيها إلى طرق غير مشروعة لتأمين خدمات الماء والكهرباء ما يؤدي بدوره إلى زيادة الأعباء الملقاة على عاتق الجهات المحلية والسلطات الإدارية.
ما زال التلفزيون المحلي يبث في شريطه الإخباري الدروس التي بدأت الحكومة بمفرداتها إعطاءها للشعب الطالح المبذر المسرف الذي لا ينفك يبدد الثروات الوطنية، كما أنه لا يدع فرصة إلا ويمارس إتلاف الثروة الخضراء من غابات وأشجار، ويبدد ما رزقه الله من ماء عذب، ويرمي ما تبقى من محصول القمح في فم النيران.
لم تجد ياسمين في عملها الجديد ما يعيب أخلاقياً، وهي التي تربت في أسرة محافظة، فالوظيفة الجديدة لم يعترض عليها أحد من أهلها، فالكل يعتقد أن مهنة الطب من أرقى المهن الإنسانية، وسكرتيرة لدى طبيب أي نصف ممرضة، ليست مهمتها الرد على الهاتف وتحديد المواعيد للمرضى، بل يمكن أن تساعد الطبيب في تجبير يد مكسورة، خياطة جرح، قياس درجة الحرارة والضغط، أي المساهمة في تحضير المريض ليكون في متناول اليد الحانية؛ هي كذلك مهنة راقية ولا تقل أهمية..
في الطريق التي مشتها الطبقة الأم بعد زوال الشرائح الوسطى، وازدادت اتساعاً وفقراً، بعدما انحدرت إليها الشريحة التي كانت تشكل الصناعات الصغيرة، وقطاعات الأساتذة والموظفين وأصحاب المصالح المتوسطة، والمثقفين.
شهر واحد يفصل بين عام من الاستحقاقات القاسية التي عاشها المواطن السوري في رحلة الانحناء الطويلة التي كسرت ظهره، من أزمة إلى أخرى، من مطب إلى آخر، من اختبار حكومي لصبره المميز، من رفع الدعم إلى دعم منقوص، من طوابير في البرد، إلى تزاحم مرير لاستلام البون الورقي، ولهاث ليلي نهاري للبحث عن ثمن وجبة الغداء التي صارت عبئاً على الأسرة السورية.
ما زالت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تتصدى بامتياز لمشاكلنا، نحن الشعب الفقير الذي لا يجلب للحكومة ولوزاراتها سوى المشاكل، وهي الحكومة ووزاراتها لا تملك أمامنا سوى الصبر، الصبر على ما ابتليت به من شعب متطلب وكسول لا يستطيع العمل أكثر من 24 ساعة في اليوم، شعب دائم الشكوى والامتعاض، شعب لم تكف معدته المتسعة كل زيادات الرواتب، كل فرص العمل، كل التطنيش على يده الطويلة، كل الخراب الذي يصيب به القطاع العام، على الأقل في عدم الالتزام بدوام فقط حتى الثالثة والنصف، وشرب (المتة)، وهدر الكهرباء، وكتلة الموظفين الفائضة التي تتحمل الدولة وزر صرف رواتبها كل أول شهر، كذلك الكم الكبير لمؤسسات القطاع العام الخاسرة والتي ما زالت الدولة تدعمها مالياً وتصرف مستحقات عامليها.