السوري المخالف... والذين يستثمرون القرارات؟

(أكدت رئاسة مجلس الوزراء في تعميم أصدرته مؤخراً على جميع الجهات العامة لتطبيق أحكام القانون رقم 1 لعام 2003 المتعلق بقمع مخالفات البناء أثناء أو بعد ارتكابها واتخاذ الإجراءات الناظمة بحق المخالفين وفقاً لأحكام القانون المذكور وبما يحول دون ظهور تجمعات سكنية وأبنية مخالفة جديدة تتطلب تقديم الخدمات لها مما يشكل عبئاً مادياً على الدولة نتيجة لجوء قاطنيها إلى طرق غير مشروعة لتأمين خدمات الماء والكهرباء ما يؤدي بدوره إلى زيادة الأعباء الملقاة على عاتق الجهات المحلية والسلطات الإدارية.

وطلبت رئاسة مجلس الوزراء من الجهات المعنية التشدد بقمع كل مخالفة أثناء أو بعد ارتكابها واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين وتحميل الجهات كامل المسؤولية الناجمة عن التقصير أو التراخي في التطبيق.)

الخبر السابق بحذافيره كما تناولته وسائل إعلامنا، وهذا الخبر التأكيدي ينشر كما هو أو ببعض الإضافات حول التشدد في تنفيذ القانون رقم 1 للعام 2003، وسبق أن صدر قرار عن وزارة الإدارة المحلية بعدم تخديم التجمعات المخالفة بالماء والكهرباء والبنية التحتية، وذلك للحد من هذه الظاهرة التي تتزايد مع كل قرار حكومي، وزارياً كان أو من الوحدات الإدارية الأصغر؟

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا هذا التوسع في المخالفات، بينما يزداد في المقابل التشدد في قرار قمعها ومحاصرتها؟ 

بداية القصة

جاءت الضرورة في إصدار قانون يوقف الزحف العشوائي باتجاه المدينة، والزحف الذي يكلف الدولة مبالغ طائلة في تنظيمه، وتقديم الخدمات الأساسية لسكان هذه المخالفات على اعتبار أنهم من أبناء الوطن ولهم ظروف صعبة قادتهم للسكن في الحزام البعيد عن المدن، ومن ثم صاروا حزاماً كئيباً في محيط مراكز المدن ويشكلون ضغطاً في إمكانية تخديمهم مع غيرهم ممن يسكنون الشوارع والأحياء التي طالها التنظيم.

عندما لم تتمكن الدولة من تقديم جميع الخدمات لهذه التجمعات، لم تجد(التجمعات) حلاً سوى تخديم ذاتها، كالاستفادة من الشبكات التي تمر فيها أو تحاذيها، والتي تخدم الأماكن المنظمة، والشبكات التي هي العصب الضروري للاستمرار في الحياة ووجود التجمعات، هي الكهرباء والماء والصرف الصحي، الذي عادوا به إلى نموذج ما قبل 50 عاماً، حيث اعتمدوا على إنشاء الحفر الفنية، التي يتم تفريغها كل 6 أشهر، إلى حيث يشاء صاحب الصهريج.

في البداية كانت المخالفة هي ضبط شرطة وبلدية، ثم يذهب المواطن إلى البلدية ويدفع غرامة قدرها 5000 ليرة سورية مصالحة للمخالفة، ويصبح بعدها في حكم النظامي. هذا ما كان يحصل قبل العام 2003 حيث صدر القانون رقم 1 الذي استشعر المشكلة المتفاقمة من تراكم المخالفات واتساع الحزام الفقير حول المدن الرئيسة وفي الأطراف.

ولكن هل استطاع هذا القانون أن يذلل الصعاب ويضع حداً لهذه المشكلة، وهل استطاعت القرارات التي أكدت التشدد في تنفيذه أن تساهم في إيقاف الزحف المخالف نحو المدن.

لماذا يخالف المواطن

لو تمكنت السلطات من إيجاد الإجابة عن هذا التساؤل لحلت المعضلة، الإجابة تعني معرفة الأسباب التي أدت بالسوري أن يذهب إلى أقاصي الريف لبناء بيت مخالف؟

السؤال بطريقة أخرى، هل يحب المواطن المخالفة والمطاردة ومراجعة المخافر والبلديات؟

هل يكره المواطن السكن في وسط المدينة والأحياء المنظمة التي تصلها الكهرباء والماء، ويهرب إلى الشقاء؟

بالتأكيد لا يحب السوري ذاك ولا يكره هذا، إذاً لماذا يخالف؟

هل توفر عليه المخالفة بعض المال الذي سيدفعه في حال قرر السكن في المنظم من الأحياء، هل هو على يقين أن الحكومة ستهرع لتخديمه حتى وإن خالف القانون؟

في البداية كانت الحكومة تخدّم المخالفات كونها أمراً واقعاً دون شك، فأوصلت الكهرباء وركبت العدادات، وأوصلت المياه..لكن ليس للجميع، ثم بدأت بالعجز عن إمكانية تخديمهم وعن إيقاف توسع الإطار المخالف. 

لماذا يخالف حقاً

هرب أبو حسين من قريته بعد أن وجد وظيفة في دمشق، بحث عن بيت للإيجار وجد غايته في مكان في أطراف دمشق يدعى( الطبالة) وبإيجار شهري يصل إلى 4000 ليرة سورية.

كبر الأولاد وصار بيت الإيجار يضيق رويداً رويداً، قرر في أعماقه أنه آن الأوان لأن يكون له بيت على هذه الأرض، بحث في الأطراف التي اشتعلت فيها أسعار العقارات، لكن دخله وما جمعه في عمر الوظيفة، مع طلب قرض على الراتب، لا يشتري له غرفة.

لا بديل عن شراء أرض في المخالفات، وفي ريف دمشق وجدت ضالته، 100 متراً مربعاً، سعر المتر 300 ليرة سورية، أي يمكن أن يساعده القرض في بناء غرفتين مع المنافع، ثم بعدها يبني مع الأيام ما يشاء.

وبالفعل اشترى الرجل الأرض، هارباً من الغلاء في وسط المدينة إلى تجمع متجانس في أمر واحد ومنسجم معه... الفقر. 

مستثمرو القرار

 مع أول (بلوكة) وضعها على الأساسات التي حفرها أبو حسين بالتعاون مع عديله وأحد زملائه، توقفت سيارة البلدية، هبط منها مهندس، عرّف عن نفسه، من المكتب الفني للبلدية، وركل البلوكة بقدمه وقال: ألا تعرف أنك تخالف؟

قال أبو حسين ببساطته وبدهشة: مثلي مثل غيري.

إذا وضعت حجراً دون ترخيص سوف أهدمه لك، قالها المهندس بعنجهية ثم ركب سيارته البك آب وغادر، قال جار لأبي حسين كان يتفرج على المشهد:  بسيطة يا جار، محلولة.

في المساء، دخل أبو حسين مع جاره منزل أحد موظفي البلدية، ودارت مفاوضات بين الرجلين حول المبلغ الذي سيدفع لقاء غض النظر عن المخالفة، دفع أبو حسين دون أن يعلق.

روى أبو حسين فيما بعد أن المشكلة لم تقف عند المكتب الفني للبلدية، فكل الجهات صاحبة القرار أخذت نصيبها .

من الخاسر.. ومن الرابح؟

سكان هذه التجمعات دائماً متضررون، ففي قطنا تسربت مياه الصرف الصحي من حفرة فنية إلى النبع الذي يغذي المدينة بالماء، أدى هذا التسرب إلى وباء أصاب أكثر من 1000 مواطن باليرقان. سكان التجمع المخالف يقولون إنهم على استعداد للمساهمة مع البلدية في مد خطوط للصرف الصحي، لكن البلدية لتاريخه لم تحرك ساكناً، رغم توجيهات المحافظة، والأذى الذي لحق بالناس.

مخالفات البناء في قطنا ما زالت مستمرة، والمستفيد من المخالفة ليس المخالف وحده، بل من يسهل له المخالفة ويقوم بابتزازه، الحكومة تتحدث عن الهدم حتى بعد تنفيذ المخالفة، السؤال الكبير لماذا لاتحاسب الحكومة من أوصل المخالفة إلى إنجازها؟ هل بنى المواطن بيته المخالف في مكان بعيد ثم زرعه جاهزاً؟ لماذا لا تقطع الأيدي التي ترتشي من المخالف؟!.

في النشابية بنيت منازل تحت الخيام، لا تبعد أكثر من 100 متر من البلدية، انتزعت الخيام وظهرت البيوت، وأين؟ في الأراضي الزراعية، وتحت نظر البلدية!!

 في كل الريف السوري، تُشاد المخالفات تحت أعين وأنظار المسؤولين، الصغار والكبار على حد سواء، ويأخذون من المخالف ثمن المحاضرة الوطنية وثمن غض الطرف. 

من المسؤول؟!

المواطن يريد سلته بلا عنب، بيتاً بسقف يحميه من الحر والقر، المواطن يهرب من الدنيا الكاذبة، من الشقق، من البنايات التي فقط يمر في جوارها، إلى هواء الله الواسع ليبني مخالفة هي الأمر الوحيد الصحيح في حياته.

المسؤول الذي يرى المخالفة، يراها تكبر، ثم تسكن فيها الأنفاس البشرية، هو مسؤول مرتش، هو الذي خالف القانون رقم 1 للعام 2003، ويجب أن يسأل عن أمواله كيف جمعها؟ وممن؟ كم من مخالفة بنت له الفيلا  والمزرعة في (دروشة)؟!

ألم تشهد إحدى السنوات الماضية إقالة ثلث رؤساء المدن والبلدات من مناصبهم لأسباب عدة من أهمها الفساد؟!! على الحكومة أن تشدد على الآلية الحقيقية لمعالجة هذه الظاهرة. فالقضية ليست مجرد رشوة غير ضارة.... إنها المواطن والوطن حينما يصيران مخالفة.

آخر تعديل على الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 10:55