الضريبة.. تلك النعمة.. أم تلك الفجيعة؟
أوردت بعض الصحف الالكترونية الخبر التالي:
(قدّم المركز الإقليمي للمساعدة الفنية للشرق الأوسط (ميتاك) التابع لصندوق النقد الدولي ومقره بيروت، 165 مساعدة فنية وتدريب في السنة المالية 2008 الممتدة من أيار (مايو) 2007 إلى نيسان (إبريل) الماضي. ونظم 14 مؤتمراً وورشة عمل شملت كل المجالات التي يعنى بها المركز، وحضرها 373 موظفاً من المصارف المركزية والخاصة ووزارات المال ومكاتب الإحصاء في الدول الأعضاء وبعض الدول الإقليمية الأخرى.)
وعرض مديره سعادة شامي في مؤتمر صحافي الإنجازات التي حققها منذ افتتاحه في تشرين الأول (أكتوبر) 2004 في بيروت منطلقاً منها إلى دول إقليمية، يقدم لها المساعدة الفنية والتدريب للمؤسسات الحكومية، وهي أفغانستان، والأردن والسودان والعراق واليمن وسورية وفلسطين ولبنان وليبيا ومصر.)
إلى هنا والخبر قد لا يعنينا، لكنه يستطرد في الإنجازات:
(أنشأ إدارة موحّدة للضرائب في سورية تهتمّ بالمسائل الضريبية، ووضع مسودّة قانون الضريبة على القيمة المضافة ومدوّنة العملية الضريبية، وعمل على إطلاق الضريبة على القيمة المضافة ابتداءً من 2009).
إذاً مؤسساتنا باتت في حكم الجاهزة والمدربة على التحصيل الضريبي فناً وعلماً، وباتت الضريبة في بلدنا لا تشبه (الأتاوة)، ولن يكون هناك بعد اليوم تهرب ضريبي، تلاعب في السجلات والجداول المقدمة، مفتشو الضريبة متواطئون، مفتشون مرتشون، وسيدفع على السواء: المواطن، التاجر، المسؤول، وكل مَنْ في هذا الوطن ما عليه لهذا الوطن، المواطن سيدفع (الترابية)، والتاجر على أملاكه وبضائعه، والمسؤول كذلك عن ترابية (الفيلا)، ورسوم سياراته خارج سيارات الخدمة (دوام الدولة).
التاريخ والدين
الضريبة في العقل الشرقي العربي مرتبطة بنظام الأتاوات الذي كان يفرضه الباشا التركي أيام الاستعمار التركي للمنطقة، حينها كان الباشا، ومن ثم من أتى بعده من إقطاعيين وسواهم، يقتطعون من مواسم الناس وأرباحهم ما يأمر به من ضرائب وأتاوات، لمصلحته ولمصلحة السلطان، والجيش السلطاني.
ودينياً مرتبطة بدفع الزكاة، فالمسلم يدفع في مواسم معينة ما عليه من زكوات المال والنعام والمزروعات وسواها، كل هذا خلق في العقل الشرقي مفهوماً مغايراً عن الضريبة، ومعادياً لها.
بالأرقام
في التصريحات الرسمية والبيانات التي تصدر عن ذوي الشأن والدارسين، تتداخل وتتضارب القيم المعترف بها في حقل الضريبة، الحكومة تتحدث عن قوانين جديدة لتحقيق ضريبة عادلة، ووقف حالات التهرب الضريبي من المواطن، ومن كبار المكلفين، ومن دوائرها.
وفي تصريح لوزير المالية: يتم تحصيل 70 % من إيرادات ضريبة الدخل في سورية من الطبقة العليا، والشركات، في حين يتم تحصيل الـ30 % المتبقية من الوسطى والفقيرة.. ويبلغ عدد دافعي الضرائب في سورية 5,7 ملايين، في حين يقدر التهرب الضريبي بنحو 4 % من الناتج المحلي الإجمالي...
أما الباحثون في هذا الشأن، فلهم وجهة نظر مغايرة ومتناقضة مع الرأي الرسمي، منهم من يعتقد أن التركيبة الضريبية في سورية هي منحازة للأغنياء ضد الفقراء، فإن 80 % من الضرائب المتحصلة هي لذوي الدخل المحدود، بينما الشركات تدفع من 10-15 % وفعلياً 10 % فقط لا غير.
الصغار يتهربون
لماذا يتهرب المواطن من ذوي الدخل المحدود ومن يعرفون بالمكلفين الصغار من دفع الضريبة، يعيد البعض السبب بعيداً عن الدين والتاريخ لضعف الوعي الضريبي، وعدم إحساس المكلف بالدور الذي يلعبه في دفع الضريبة في قدرة الدولة على تحويل هذه الضريبة إلى خدمات مباشرة تعود عليه وعلى الوطن بالكثير من الفائدة.
فالمواطن هنا لا يلجأ إلى دفع الضريبة إلا في حال اضطره الأمر إلى ورقة رسمية، أو طلب خدمة الكهرباء أو الماء، عندها يتم تحميله الضرائب المترتبة عليه مع فوائدها.
أنواع الضريبة
يقسم الباحثون الضريبة إلى قسمين: الأول ضريبي مباشر يدفعه المواطن وتفرض عليه، وهذا المواطن ينتمي إلى جميع الطبقات (من باب العدل)، وهي بالضرورة تلقي بثقلها فقط على المواطن صاحب الدخل المحدود، ومن الضرائب المرهقة ضريبة الدخل على الرواتب والأجور,ضريبة الأرباح الصافية الناتجة عن ممارسة المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية ورسم الإنفاق الاستهلاكي، ورسم الإنفاق الاستهلاكي هذا هل تصدقون أنه يشمل السكر والشاي... بالإضافة إلى 31 مادة استهلاكية أخرى.
الشيء الأكثر استفزازاً في آلية التحصيل الضريبي من المواطن هو اللجوء لاصطياده في أماكن حاجته للدولة في تقديم الطلبات اليومية,مثل عقد الاشتراك في شركات ومؤسسات المياه - الكهرباء-الهاتف-الاستدعاءات. والعرائض المقدمة إلى الجهات العامة بقطاعيها الإداري و الاقتصادي والشهادات الرسمية للتعليم الثانوي, والصادرة عن مؤسسات التعليم الخاصة والعقود بجميع أنواعها.
وهنا إذا ما أردنا حساب ما يدفعه المواطن من ضرائب نجد نحو 70 ضريبة ورسماً، وإذا ما أضيفت على رسوم الوحدات الإدارية، فالعدد يصل إلى نحو 100 ضريبة ورسم.
القسم الثاني هم المكلفون الكبار من الشخصيات الاعتبارية كالشركات والمنشآت العامة، ومؤسسات القطاع العام، ورجال الأعمال والاقتصاد.
والواقعون تحت القسم الثاني هم من يشكل النسبة الأكبر من التهرب الضريبي الذي يقدره الخبراء بنحو 200 مليار ليرة سورية.
وفي باب الإعفاءات أن ما يثير الغرابة هو إعفاء أصحاب المليارات والملايين من الضرائب، وخصوصاً الذين يعملون في حقل الاستثمار، بينما لا تعفى مادة واحدة كالشاي والسكر من رسم الإنفاق الاستهلاكي.
التهرب بسبب
في التهرب الضريبي يحمل أغلب الدارسين الحكومة وأجهزتها المالية المسؤولية المباشرة، حتى في تلك التي تخص المواطن، الشركات الكبرى، مؤسسات القطاع العام.
ويرى هؤلاء أن الأسباب وراء ذلك تعود إلى انتشار اقتصاد الظل، الفساد المستشري في العمل الإداري الحكومي، والتشريع الضريبي القاصر والثغرات الموجودة بين دفتيه، ومنها على سبيل المثال تصنيف نشاطات تحقق أرباحاً كبيرة في فئة الدخل المقطوع، ومعروف أن هذه الفئات غير ملزمة ضريبياً بتنظيم حسابات متكاملة.
ومما يساهم في التهرب، هو الغياب الواسع لمسك الدفاتر المحاسبية الأصولية لفئة كبيرة من المكلفين وذلك لأسباب: منها عدم قدرة المكلف على تنظيم حساباته وفق الأصول المتعارف عليها وإما بقبول الدوائر المالية لحسابات تعارَفَ عليها الوسط التجاري.
أما في القطاع العام، هناك باب آخر للتهرب الضريبي حيث نجد أن شركات خاضعة للضريبة تعلن عن أرباح سنوية وعندما يطلب منها دفع الضريبة عما تعلنه من أرباح تلغي الربح المعلن مثال ذلك (بنوك ومصارف القطاع العام).
ضريبة الدش
من المفارقات التي كانت ستقوم وزارة المالية بتحصيلها واعتبارها من باب الرفاهية التي يتمتع بها السوري، ومن الأجهزة التي تثير سعادته (بسطه) الضريبة التي تم الإعلان عنها في الصحف الرسمية من سنوات ليست بالبعيدة، رسم الدش أو ضريبة الرفاهية على الدش (الصحون اللاقطة) وقدرتها المالية حينذاك بـ 1000 ليرة سورية.
في حينها أحد المواطنين علق متهكماً على القرار: يظنون أننا في حالة من السعادة، وأن هناك كماً منها يجب أن ندفع ثمنه، لكنهم نسوا أن أغلبنا خائر من التعب.
الضريبة تعادل الصوت الانتخابي
كيف تعود الضريبة على دافعها، في السبب يدفعها لتعود عليه وعلى الوطن بالكثير من المشاريع الخدمية، في محصلتها تعود إلى الدافع.
في كل أوربا لدافع الضريبة، أي المواطن، الحق بالاعتراض على أي قرار ممن انتخبهم لا يسير مع ما صرح به من شعارات، أدت بالمواطن إلى منح صوته للمرشح.
الصوت الانتخابي هو صوت دافع الضريبة الذي بيده أن يطالب من يمثله بالوفاء وتنفيذ الشعارات التي أطلقها، وإلا سيكون المرشح قد خدع صاحب الصوت.
من هنا نتساءل: ضريبة النظافة يدفعها المواطن ليصل إلى شارع نظيف، سيارة للنظافة، لا ليمارس عامل التنظيفات دور الجابي من أجل أن يزيل القمامة، أو ليحمل كيس القمامة إلى السيارة أو (التركتور) دون رشوة.
أما أن يدفع الضريبة وأكوام القمامة تتجمع أمام باب المنزل، مدخل الحارة، طرقات البلدة، كراج السومرية، في الحاويات نفسها... فهنا الضريبة تشبه شيئاً قادماً من الغيب.. ولكنني لا أتوقع سبباً خفياً.
الإشاعات الضريبية
من كثرة الضغط الاقتصادي الذي يعيشه المواطن السوري، باتت الإشاعات سهلة الانتقال بينه، عدا عن عدم ثقته بالحكومة، بل أنها يمكن أن تقرر تنفيذ الإشاعة بعد نفيها.
في الآونة الأخيرة ظهرت إشاعة تفيد أن الضريبة على تسجيل الزواج قد تصل إلى 18 ألفاً للزواج الأول، و70 ألفاً للزواج الثاني، و5000 ليرة سورية لتسجيل الولد الأول.
وفي كل مرة يعتقد السوري بعدم صدق الوعود... فما من شائعة في الفترة الأخيرة، إلا وصارت حقيقة ويقيناً بعد وقت على الغالب لن يكون طويلاً.
من رفع الدعم عن الوقود وهي قدمرت بقسوة على الشعب، إلى القسائم، سعر المازوت بالقسيمة، وفي الكازية لغير مستحقي شرائح الدعم.
وفي كل هذه الإشاعات كانت الشائعة هي المنتصر!
صار المواطن يعتقد أن نفي الشائعة من المراحل المخطط لها لتنفيذها، الضريبة ستنفذ.
في النهاية.. الضريبة، النعمة التي من المفترض أن تعود على المواطن نفعاً.. ليست أكثر من فجيعة يبتلعها مع قليل من الآه، وكثير من عدم الثقة بالمستقبل.