عبد الرزاق دياب
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لم يكن سانشو بانتا تابعاً ساذجاً في بساطته وإخلاصه لجنون معلمه الأسطورة (دون كيشوت)، خصوصاً في لحظات الجنون القاتل ورغبة المعلم في الذهاب إلى أقصى رؤاه الخادعة.
طيبة سانشو أخذته وراء الدون المحارب الواهم، وتصديق صراعاته ومعاركه ورحلاته الكبرى وراء مشاريعه النبيلة، لقد تم اختياره حسب طريقة القادة.. تابعٌ شغوفٌ بفكرة قائده عن العدل ونصرة المظلوم.
لم تزل (أم حسن) متقوقعة في درعها أمام وكالة سانا منذ أكثر من عشر سنوات، تتوالى الفصول وهي على هذه الحال، النهار الصيفي الطويل، البرد القارس شتاءً، الهواء الشديد.. كل ذلك لم ينل من همة المرأة الصلبة، تمر أمامها قوافل البشر محملين بالورد، وأم حسن ما زالت تسكن الشارع المزدحم.
سألتها ونحن مقبلين على (زحمة) من الأعياد: الناس (معيدين) يا أم حسن، وأنت تعملين؟
أم حسن: العيد لأهله.
ليس وقتاً طويلاً الذي استغرقه صديقي د.(إياد شاهين) ليتوصل إلى هذه النظرية، فبعد أن تخرج من كلية طب الأسنان كأمي فقير، كان لابدّ من عيادة ليبدأ معها مشوار عمله، لكن ليس بمقدور أمثاله ممن ولدوا وفي أفواههم الغصة، أن يبدؤوا الحياة سهلة كأبناء الذوات والمتنفذين الذين يتخرجون ليجدوا المستقبل فاتحاً ذراعيه: مرحباً..
حقل ألغام دخلته بملء إرادتي، وكنت على يقين أن نهايتي ستكون على ترابه المتناثر حول جثتي المتعفنة من الإهمال، وأن شاهدتي ستنصب واطئة لتدل على ميت هنا، شاهدة دون كلام مقدس أو بيت شعر.
صدقت ذات يوم الكذبة التي تقول بأن الشعراء سيحكمون العالم ذات يوم، وتورطت في خديعة الكلمة مثل كل الحمقى المنتشرين حول الأرض، الحمقى الذين يديرون عالماً من خيال وورق، الحمقى الذين يشربون وحدهم كأس فرادة اللغة، وينسون الواقع.
هلَّ موسم الفزع على السوريين، ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكناً، لا انفراجات حقيقية في الأسواق، الألبسة المدرسية تزين واجهات المحلات، بأسعار من 200 ليرة وصولاً إلى الآلاف المؤلفة، من الرديء الذي يكاد أن يهترئ من اللمس إلى الغالي المتماسك ولكن كما يقال بحقه.
لا غرابة فيما يحدث في السوق السورية المنفلتة.. طالما أنّ لا أحد يحاسب أو يراقب، وطالما باستطاعة الفاسد أن يجدد وسائل فساده ويطور آليات احتياله، وطالما أن القانون يترك ثغرات واضحة لانتهاكه.
السوق السورية تتأرجح، أسعار تتفاوت، القطعة نفسها في شارع واحد، وبسعرين مختلفين، جهة المنشأ نفسها، والحجة والمبرر أن السعر تحكمه الجودة.. حتى الخردة تخضع للمقاييس ذاتها..
الأدهى والأسوأ.. أن مهناً إنسانية دخلت اللعبة، وتواطأت مع بعضها، وقاسمها المشترك إيصال الزبون إلى طريق مسدود بين طرفي المعادلة المستفيدين من ذهابه وإيابه، أما الأسعار فهي للشركة الأكثر شهرة والمخبر الذي يذيع صيته.
يغامر أبو غدير بالآلاف القليلة التي يملكها، الآلاف التي جمعها من شقائه في الوظيفة ودوام المساء في الشارع، وذلك حسب المواسم، ففي الشتاء يبيع الفول و(العرانيس)، وفي الصيف غزل البنات وأوراق اليانصيب، وهكذا حتى تنتهي دورة الفصول ومعها العمر المرير، واليد المقبوضة.
بعد عشرين عاماً من الوظيفة، ومثلها من الدوران خلف عربة البيع، وبعد أن دخل في العقد الخامس من عمره قرر (أبو غدير) أن يبني غرفتين مع المنافع، الآلاف التي جمعها لا تشتري منزلاً في وسط مدينته الصغيرة، استشار الجيران والأقارب والأصدقاء، ماذا تفعل له هذه الآلاف؟ الجواب الذي اتفق عليه الجميع بحكم الخبرة.. هناك على أطراف المدينة يمكن أن تصنع لك آلافك سقفاً محمولاً على أربعة أعمدة، ومطبخاً صغيراً وحمّاماً يتسع لجسدك الهزيل.
كما كل المشاكل التي لا حل لها، كما كل الأشياء المعلقة على مشجب الإمكانيات المادية والبنية التحتية غير الجاهزة، وتحت عنوان الحلول المعاقة وبانتظار الحل النهائي، تبقى مشكلة النقل معلقة بانتظار معجزة من السماء يمكن من خلالها لمواطننا أن يتنقل أينما شاء بواسطة جناحين أو زلاجة دون أن يحتاج إلى واسطة نقل عامة.
اعتقدت حتى وقت قريب أننا تخلصنا من تلك الحقبة، ومن ذلك الإرث البغيض الذي تكون بغياب الإعلام الحقيقي، وأننا على بعد خطوات من إنجاز إعلام يحترم الناس والمجتمع، ولا يغرر بأحد.
جاء السماح بإصدار الصحف الخاصة كفرجة وسط زحمة طالبي العمل، وقلة الوسائل الإعلامية المتاحة لهم، وأمنية عند الكثيرين لسماع صوت جديد ومختلف عن الأصوات التي كانت تغرد وحيدة في الساحة، وباب رزق لأغلب الإعلاميين السوريين الذين كانوا يشكون من رواتبهم القليلة التي لا تسمح بأكثر من لباس رسمي واحد في السنة، ومحفظة بالية اعتادت عليها أصابع اليدين.
أخيراً افتتحت بورصة دمشق، وصرنا مثل كل دول العالم نتحدث عن سوق للأوراق المالية، ويمكن أن نصبح على أرقام جديدة ونمسي على غيرها، وسيمرر الشريط الأزرق أرقامها، وستتضمن النشرة الاقتصادية الرئيسية فقرة مطولة عن البورصة، وستمضي الصحف العامة والخاصة بالحديث عنها، ولا سمح الله قد تتحدث محطات كبرى عن خسائر هائلة في بورصة دمشق ناتجة عن تأثير الأزمة المالية العالمية.