مطبات: مسح اجتماعي
ما زالت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تتصدى بامتياز لمشاكلنا، نحن الشعب الفقير الذي لا يجلب للحكومة ولوزاراتها سوى المشاكل، وهي الحكومة ووزاراتها لا تملك أمامنا سوى الصبر، الصبر على ما ابتليت به من شعب متطلب وكسول لا يستطيع العمل أكثر من 24 ساعة في اليوم، شعب دائم الشكوى والامتعاض، شعب لم تكف معدته المتسعة كل زيادات الرواتب، كل فرص العمل، كل التطنيش على يده الطويلة، كل الخراب الذي يصيب به القطاع العام، على الأقل في عدم الالتزام بدوام فقط حتى الثالثة والنصف، وشرب (المتة)، وهدر الكهرباء، وكتلة الموظفين الفائضة التي تتحمل الدولة وزر صرف رواتبها كل أول شهر، كذلك الكم الكبير لمؤسسات القطاع العام الخاسرة والتي ما زالت الدولة تدعمها مالياً وتصرف مستحقات عامليها.
وزارة العمل والتي تحمل الهم الكبير لكل الملايين العاملة والملايين التي لا تعمل أيضاً، الوزارة التي تنام وتصحو لتحقيق ازدهار الطبقة العاملة، واستمرار سعادتها.. وجودها، الطبقة التي تتغنى بها، عمال الصناعات على مختلف مهنهم، العمال الذين يشيدون ما نعتبره صروحاً نضع لها حجر الأساس، ندشنها بالمناسبات، ونقص لها الحرير، وتجيش لها وسائل الإعلام المرئي والمطبوع والمسموع، العمال الذين يصابون بالأمراض المنهكة (الديسك)، بتر الأعضاء، الموت، لكن لا شيء يذهب دون تعويض، فمؤسسة التأمينات الاجتماعية من مؤسسات وزارة العمل التي لا تترك عاملاً تحت رحمة عقود الإذعان، وكل الورش التي لا تسجل عامليها خارجة عن القانون حتى لو كانت على امتداد الوطن، موت عامل في ورشة مودعاً (يرحمه الله) لا يعني أن الوزارة ومؤسسة التأمينات غير مكترثة بالطبقة العاملة.
فوق كل هذا الهناء الجليل للطبقة العاملة ولجموع العاطلين عن العمل، والأسر التي تبحث عن الكفاف، والذين يعيشون على كف عفريت دون تقاعد أو دخل ولو كان صاحب الذكر السيئ المحدود، فوق كل عناء الوزارة في خدمتهم قررت من وقت قريب إجراء مسح اجتماعي لهذه الجموع المتعبة.
السيدة وزيرة العمل صرحت لإحدى وسائل الإعلام: (هذا المسح الاجتماعي سوف يجري للاستفادة منه في كثير من المواضع ولتشكيل قاعدة بيانات من أجل تشكيل قرارات حكومية أخرى غير المعونة الاجتماعية).
ليس عن عبث تقوم الوزارة بهذا الجهد المضني من تشكيل فريق عمل في كل المحافظات، وتأسيس 61 مركزاً للمسح الاجتماعي لجموع الفئات المتعبة، كما أن هذا المسح سيقود إلى اتخاذ ما يناسب من إجراءات تتجاوز المعونة الاجتماعية لحفظ مياه وجوه هذه الجموع.
الوزيرة شرحت الغاية من الاستمارات التي يستخدمها المسح الاجتماعي:(الاستمارة التي ستستخدم في المسح الاجتماعي ستحدد أين تقع هذه الأسرة بالنسبة إلى غيرها بالنسبة إلى مستويات الدخول، وما هي درجة استحقاقاتها وفي أي فئة تقع بالنسبة إلى المعايير المحلية والعالمية).
يبدو الكلام كبيراً وخطيراً، أين نقع، مستويات الدخول، درجة الاستحقاق، المعايير المحلية والعالمية.
أما أين نقع في مجملنا نحن السوريين الذين نشكل الموظفين، العمال، الفلاحين، صغار الكسبة، العاطلين عن العمل، نقع في كل المحيط السوري الذي يغرق فيه الريف، مجاوري المدينة من سوار فقير، الجموع الذاهبة إلى الوظيفة صباحاً والتي تعود من البسطات منتصف الليل، أو من بيع اليانصيب، بيع الخبز للعاجزين عن الوقوف أمام الأفران، والمترفعين عن الانتظار كرمى لرغيف الخبز، الجموع التي لا تعرف سوى العمل والقلة.
أما مستويات الدخول فمن الحد الأدنى للأجور إلى الفئة الأولى إلى الأساتذة الجامعيين، كل يكفيه همه، وكل دخله بالكاد يسد ما يحتاجه، أما إن كان القصد دخول الطبقة العاملة ومحدودي الدخل والعاطلين عن العمل فهم في المستوى نفسه، الموظف يشبه العاطل عن العمل، الجميع يستدين مع أول الشهر.
بقية الشروط الأخرى ليست بأفضل حال، أما عن المعايير المحلية فنعرفها، أما العالمية فلباسها فضفاض فوق أحلامنا البسيطة.
البسطاء وهم جلنا يتحدثون عن رواتب قادمة، الأسر الكبيرة، العاطلون عن العمل، الحالمون، العاجزون... يأملون ويحلمون.
أرجوكم ... امسحونا جيداً.