مطبّات هل ستفعلها؟
هلَّ موسم الفزع على السوريين، ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكناً، لا انفراجات حقيقية في الأسواق، الألبسة المدرسية تزين واجهات المحلات، بأسعار من 200 ليرة وصولاً إلى الآلاف المؤلفة، من الرديء الذي يكاد أن يهترئ من اللمس إلى الغالي المتماسك ولكن كما يقال بحقه.
ولكنها حركت أدواتها التي أثبتت عدم جدواها خصوصاً في الآونة الأخيرة، وبعد أن أعلنت الحكومة نيتها بفتح الأسواق واعتماد برنامج السوق المتوحشة وفطامنا.
الأدوات المتناقضة من حلولها وحتى مصداقيتها، وهذه الأدوات بالتعريف، المؤسسة العامة الاستهلاكية، ومؤسسة الخزن والتسويق، والتي أعلنت كثيراً عن الدور المنوط بها، المتمثل بالتدخل الايجابي في السوق عند حدوث الأزمات، فما بالنا نعيش في أزمة تلو أخرى؟
جربنا التدخل الايجابي لتلك المؤسسات في كل أزماتنا، لكن الإجابة كانت: ارتفاع أسعار عالمي..الخ.
تدخلت هذه المؤسسات بأسعار السوق نفسها، ولكي لا نكون جائرين، أدنى من السوق بقليل، ومارس بعض المستثمرين لصالاتها ديكتاتورية الفقير علينا، بعض المستثمرين اضطهد الناس عندما لا يسمح للمواطن أن ينتقي ما يريد من الخضار، يعبئ الأكياس بما شاء، يفرض على المواطن شكل الفاكهة وطعمها وحجمها، أو انصرف.
تدخلت هذه المؤسسات عندما اشتهينا البطاطا.. واستمرت روحنا في الاشتهاء، عندما صارت البندورة حلماً تدخلت فبقيت كذلك.
الرز والبرغل والعدس والسكر والزيت، كلها سلع فاقت أسعارها أحلامنا الفزعة، وقالت إنها ستتدخل، وتدخلت وما زالت تلك السلع في أسعارها الكاوية.
الآن ومع اقتراب شهر الفزع، المدارس ورمضان والمونة والمازوت، وجهت الحكومة في اليومين الماضيين مؤسساتها بالتدخل، المؤسسات الحكومية مباشرة أعلنت عن خطتها، الاستهلاكية ستخفض الأسعار عن السوق 10 %، والتسويق ستخفض عن السوق من 5 - 30 % ، وهذا ما كنا جربناه فيما سبق، وتمتعنا بالتدخل الخائب لهذه المؤسسات الخائبة.
لكن السوق على حالها ومع تخفيض الأسعار كما تراه الجهات الحكومية المتدخلة لن يجدي نفعاً، ما زال الراتب الشهري لا يسد رمقاً، والأغلبية تشكو من غلبة الدين، والأسعار في ارتفاع، وكل نهار له سعره، وكل سلعة لها من مبررات الغلاء، والغلاء حمى تقصف عمر الدخل، فكيف بمحدودي الدخل.
ستتدخل المؤسسات الحكومية وهي مدركة تماماً أنها لن تقدم ما يجعل الفطور الرمضاني شهياًً، وافتتاح العام الدراسي هنياً، والمازوت في خزانه آمناً، والشتاء القادم لن يدفئنا بالدعاء، وبراداتنا خالية سوى من الثلج.
مع كل هذا تبدو الحكومة في العلن حريصة علينا، على أن نكون صائمين ورعين، وأبناء بيوتنا سعداء، لكنها تجلدنا في كل يوم بآلاف النصائح عن هدر الماء الذي لا يصلنا إلا بالقطارة، أو على ظهور الصهاريج، بالكهرباء وإضاءة مصباح وحيد وترشيد الطاقة، وبقي فقط ما ننتظره أن تنصحنا بالتوفير في الهواء، الاستنشاق حسب الحاجة، توفير نَفًس واحد كل يوم لكل مواطن يعود على الوطن بالأوكسجين ويخفف نسب التلوث المرتفعة التي تسببها عوادم السيارات والمعامل.
ستتدخل المؤسسات الحكومة أيها السوري المفلس، كما تشتهي أن تتدخل، ستتدخل في توفير إسرافنا، وردعنا عن الإفراط في الدخل الكبير الذي نتقاضاه، وستتدخل في تحديد السلع الأساسية لنعيش كالبشر دون أن نفرط في السمنة والدسم، وما الغلاء على الزيوت والسمون إلا نصيحة من الحكومة بأن هذه المواد قد تتسبب في ارتفاع كوليسترول الدم، والإصابات القلبية والجلطات.
سمعاً وطاعة للحكومة المتدخلة، أسرفنا في تبذير أموال الحكومة التي نتقاضاها من الخزينة ثمناً لجلوسنا في المكاتب لثماني ساعات متواصلة، أسرفنا في جلوسنا على الأرصفة بحثاً عمن يبحث عن عامل فعالة يشغله في (الفيلا) المتربعة على ظهر تلة خضراء، أو المشرفة على واد من الشجر، أسرفنا في الدوام الثاني خلف بسطة، طاولة لبيع اليانصيب والساعات والدخان المهرب، أسرفنا في إسرافنا.
ليس ما سلف تشكيك بقدرة الحكومة على التدخل.. لكننا نريد تدخلاً يجعلنا بلا ديون، تدخلاً يطمئن غدنا الخائف، يلجم السوق المتوحشة، يجعل التاجر خائفاً من الله والحكومة، تدخلاً في صالحنا ولو مرة واحدة.