التحدي والبقاء في مواجهة القمع والتهجير

يخوض الشعب العربي الفلسطيني معركة الوجود والبقاء على أرض وطنه، منذ الغزوة الاستعمارية/ الصهيونية للأرض الفلسطينية. وإذا كانت مجموعة العوامل المحلية والإقليمية والدولية هي التي أوجدت النكبة، التي نتجت عن الاحتلال اليهودي/ الصهيوني، فإن الواقع الجديد الذي يعاني منه شعب فلسطين، المنكوب باحتلالي 1948 و1967، يقارب في ملامحه العامة، سنوات الموت التي رافقت حياة هذا الشعب، بتعبيراتها وأشكالها المختلفة. لكن تلك السنوات الممتدة على أكثر من ستة عقود، لم تستطع أن تكسر إرادة الحياة والصمود في مواجهة جبهة الأعداء.

جاء مهرجان «التحدي والبقاء» الذي شهدته بلدة «سخنين» المحتلة منذ عام 1948 قبل بضعة أيام، وبمشاركة المئات من مختلف المناطق الفلسطينية، ومن كل ألوان الطيف السياسي المقاوم لسياسة التهويد والقمع و التهجير، ليعيد التأكيد مجدداً على طبيعة المعركة البطولية التي يخوضها أبناء الشعب الفلسطيني في مناطق الجليل والمثلث والنقب والساحل، وفي كافة «المدن المختلطة»، من أجل حفاظهم على أرضهم وثقافتهم ومقدساتهم وارتباطهم بشعبهم، وأمتهم العربية. المواقف السياسية الواضحة، التي عبّر من خلالها الخطباء عن واقع الجماهير العربية، وتطلعاتها لمستقبلها، عكست تطوراً ملحوظاً في طبيعة التوافقات بين مختلف القوى الحزبية، والمنظمات الأهلية، في مواجهة السياسة الصهيونية التي تنتهجها حكومة العدو في تعاملها مع أصحاب الأرض الأصليين. كلمة «التجمع الوطني الديمقراطي» التي ألقاها أحد أبرز قادته جمال زحالقة، لخصت الرؤية، وأعادت إنتاج الرواية الحقيقية لعرب الداخل. يقول زحالقة (إن قرار الدولة بمحاكمة القيادات العربية هو قرار «إسرائيلي» إستراتيجي تبلور بعد هبة أكتوبر، وبعد وقفة جماهيرنا الموحَّدة ضد الحصار على غزة وضد العدوان الهمجيّ على لبنان). مضيفاً (لقد حدّد «الشاباك الإسرائيلي»، في السنوات الأخيرة، بأن ما يحدث بين الجماهير العربية هو التهديد الإستراتيجي لـ«إسرائيل» كدولة يهودية. ونحن -من ناحيتنا- نعترف بأننا تهديد استراتيجي للعنصرية والاحتلال ومصادرة حقوق الإنسان والشعوب وكافة أشكال الاضطهاد والقمع والظلم... لقد فشلتم في مشروع احتواء الفلسطينيين في الداخل وفي التحكم بهويتهم ومواقفهم السياسية، فلجأتم إلى إجراءات قمعية، نقول لكم سلفاً إنها لن تجديكم نفعاً، فالمسيرة الوطنية مستمرة مهما فعلتم). كما ركز المتحدثون على أهمية العمل الوحدوي في مواجهة الإجراءات القمعية المستمرة التي تستهدف الوجود العربي.

مواقف الجماهير العربية لم تكن صرخة احتجاج، ولا جملة اعتراضية فقط على خطط حكومة الكيان الصهيوني، بل كانت تعبيراً عن الاحساس الكبير بخطورة التوجهات القديمة/ الجديدة لأحزاب وقادة العنصرية التي تتحكم بحكومات العدو منذ اكثر من ستة عقود. بعد ساعات قليلة من انفضاض المهرجان، خرجت علينا صحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة في لندن، بلقاء مطول مع «داني أيالون» وكيل وزارة الخارجية الصهيونية، صاحب السلوك الهمجي في ابتداعه لنظرية «الكرسي الواطي» في أثناء استقباله لسفير تركيا في الكيان. الكلام الذي تحدث به أيالون كان التعبير الأكثر صراحة في الخطة الكارثية الجديدة المعروفة بـ«تبادل الأراضي» التي تستجيب لها سلطة رام الله المحتلة، والتي ترتبط بطرد أصحاب الأرض من بيوتهم وممتلكاتهم في الأراضي المحتلة منذ عام 1948. يقول أيالون: (إذا كان العرب في «إسرائيل» يقولون إنهم فخورون بفلسطينيتهم، فلم لا يكونون فخورين بأن يكونوا جزءاً من الدولة الفلسطينية؟ فهم بانضمامهم إليها لن يخسروا أي شيء على الإطلاق. إضافة إلى هذا، فإن ذلك سيكون في مصلحة الدولة الفلسطينية... لن يخسروا شيئاً إذا انتسبوا إلى الدولة الفلسطينية العتيدة ضمن صفقة تبادل أراض). وتساءل (لماذا نعطي الفلسطينيين أراضي خالية في النقب، ولا نقدم لهم أراضي مليئة بالمواطنين)؟ مؤكداً في إجابته على سؤال الصحفي حول احتمالات أن تكون منطقة «المثلث» المكتظة بالمواطنين العرب (لم لا؟ أنا أتحدث عن المناطق التي فيها منطق التواصلية الجغرافية. وأي منطقة قريبة إلى الحدود يمكن أن تدخل ضمن هذه الخطة).

يأتي كلام المجرم أيالون، العضو القيادي في حزب «ليبرمان» الذي يدير دبلوماسية وزارة «الزعران والبلطجية» متوافقاً مع خطة حكومة «نتنياهو» في تعاملها مع المواطنين العرب. فقد أكدت المعلومات أن سلطات المحتلين قامت خلال العام المنصرم بهدم أكثر من 120 منزلاً في مختلف المدن والقرى العربية المحتلة بذريعة عدم الترخيص، ولاحقت المواطن الفلسطيني الذي يعيش في المدن المختلطة أيضا، مثل حيفا، عكا، يافا، اللد والرملة. كما أن قائمة الهدم مازالت تحتوي على إزالة جميع البيوت البالغ عددها 70 منزلاً في حي «دهمش» في مدينة الرملة. بالإضافة لأكثر من 60 منزلاً في مدينة اللد.

أمام هذا المشهد، يتعين على القوى السياسية العربية الجذرية التعامل مع مشروع «يهودية الدولة» بطبيعته الاستعمارية/ الإستئصالية، الهادف، تهجير الشعب الفلسطيني و تبديده في بقاع العالم . ولأن طبيعة المشروع الاحتلالي/ الإقصائي تقوم على التطهير العرقي «قتلاً وطرداً»، فإن هرطقات البعض عن امكانية «التسوية/ التعايش» مع المشروع الصهيوني تسقط تماماً على أرض الواقع. وانطلاقاً من ذلك، فإن التحركات والمبادرات الجماهيرية الواسعة داخل الوطن المحتل منذ عام 1948، يجب أن تكون جزءاً من المشروع التحريري والتحرري العربي الفلسطيني، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، أهمية أن تصوغ القوى السياسية العربية في الداخل، ومن خلال أطر عملها الجماعية في «لجنة المتابعة» برنامج عملها الاستراتيجي والتكتيكي الخاص بواقعها المحدد.

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 21:46