حكومة نتنياهو... الفاشية في أقبح أشكالها
جاءت تشكيلة الحكومة الـ32 في الكيان الصهيوني الإرهابي، كتعبير موضوعي عن التحولات المتسارعة نحو التشدد والتطرف، في حراك التجمع الإستعماري/ الإستيطاني/ الإجلائي الذي فرضه الواقع الاحتلالي لفلسطين عام1948، كإجراء وقائي، ليس في توفير الأمن لحماية «الكيان/الثكنة»، بل وفي توفير شروط البقاء له.
لهذا لم يكن حصاد صناديق الاقتراع لبرلمان هذا التجمع في شباط الماضي، سوى المرآة العاكسة لزيادة تأثير الأفكار والممارسات الأكثر يمينية وفاشية لدى قوى اليمين الديني والعلماني داخل شرائح اجتماعية واسعة. وتعتبر هذه الحكومة هي الأكثر عدداً في تاريخ الحكومات الصهيونية، ثلاثون وزيراً وسبعة نواب وزراء، قالت في وصفهم «تسيبي ليفني» رئيسة«كاديما» وزعيمة المعارضة (لتعزيز حكمه، عيّنَ، وزراء لا شيء، ونواب وزراء بلا شيء). وإذا «كان المكتوب يقرأ من عنوانه» كما يقال! فإن الشخصية الأبرز، والأكثر فظاظة وقبحاً، هي ودون جدال، شخصية «ليبرمان» الملاحق قانونياً في العديد من ملفات الفساد «رشىً، تبييض أموال، علاقات بعصابات المافيا الروسية»، والهراوة/ السوط الذي تلوح به الحكومة الجديدة في وجه العرب، وهو مادفع بالعديد من المراقبين لوصفه بـ«الناطق الرسمي والحقيقي للحكومة»، خاصة مع الإغداق المبالغ فيه الذي قدمه «نتنياهو» لحزب «ليبرمان» اليميني العلماني، وحزب« يشاي» اليميني الديني. فقد سيطر حزب «اسرائيل بيتنا» الفاشي على مفاصل أساسية في مسؤوليات عمل الحكومة على صعيد القضاء وفرض القانون. واستحوذ حزب «شاس» على التحكم بأراضي «الدولة» ومخططات البناء، بما يعنيه ذلك من التوسع ببناء المستعمرات، وهدم وتجريف بيوت وأحياء المواطنين العرب.
في خطابه الأول، قدم نتنياهو لأعضاء الكنيست، وللعالم رؤيته للمرحلة القادمة والحكومة (إنّ «إسرائيل» تقف أمام اختبارين كبيرين: الاختبار الاقتصادي والاختبار الأمني) لكن قراءته لآثار الأزمة الإقتصادية على الوضع الداخلي، جابهتها صرخات العديد من نواب المعارضة، التي سخرت من خيارات «بيبي» الاقتصادية، بسبب الرشى المالية التي قدمها إلى الأحزاب التي انضمت للائتلاف الحكومي، في ظل فقدان أكثر من 57000عامل لوظائفهم في الأشهر الثلاثة الأخيرة. صحيفة «هآرتس» سارعت بعد ساعات على إعلان الحكومة بالقول (حكومة ضخمة كهذه تبث إحساساً بالتبذير الفضائحي، بالوقت ذاته الذي يقف فيه الاقتصاد على شفا أزمة اقتصادية خطيرة). أما حديثه عن «السلام» فقد كان متبذلاً ورخيصاً. إذ أكد على اشتراطات يجب على الطرف الفلسطيني الالتزام بها (إذا كنتم تريدون السلام فعلاً، فيمكن تحقيقه. سنعمل على ثلاثة مسارات: اقتصادي وأمني وسياسي لتحقيق السلام وسندعم أجهزة الأمن الفلسطينية التي تحارب الإرهاب). المسار الاقتصادي، تكرر مراراً في أحاديثه عن ذلك السلام الذي «يُغرق» الضفة المحتلة بالمواد الاستهلاكية، علّ شعبها ينسى سبب معاناته الدائمة، المتجسدة بالاحتلال. أما المسار الأمني/ السياسي فقد حدده بالتعاون الكامل لقوات الأمن الفلسطينية، لتوفير- الأمن للمحتل- عبر ملاحقة واعتقال المقاتلين من أعضاء الكتائب والسرايا واللجان، ومصادرة السلاح المقاوم. وهو مايعني الإبقاء على التنسيق الأمني بين السلطة والمحتل، والعمل على تطوير أشكاله الراهنة، التي يشرف عليها الجنرال الأمريكي «دايتون»، مشدداً- حتى لايكون لدى البعض أية شكوك «مغرضة»: (لا نريد السيطرة على الفلسطينيين... سيكون للفلسطينيين كل الصلاحيات ليحكموا بأنفسهم، باستثناء ما يهدّد «إسرائيل»... ومن أجل تحقيق السلام، ينبغي على الشريك الفلسطيني مكافحة الإرهاب، وتعليم أولاده السلام، وإعداد شعبه للاعتراف بـ«إسرائيل» دولةً للشعب اليهودي). باختصار توجهات الحكومة حسب برنامجها، تعني وببساطة شديدة، تجريد الفلسطينيين من حقهم بالوجود على أرض وطنهم، وتحويلهم لطبقة من العبيد يحرص سيدها على «إشباع غرائزها»، شريطة ضبط سلوكها.
أما كلام وزير الخارجية الإرهابي «ليبرمان»، بعد تسلمه مسؤولية وزارته، فقد كان التعبير المباشر عن هذه التركيبة اليمينية الفاشية، التي حاول «نتنياهو» تحسين صورتها، بإضافة حزب العمل لها، كطلاء تجميلي «يساري!» أثبتت التجربة الطويلة، انتهازيته، ويمينيته أيضاً. «ليبرمان» كشف بعد ساعات على تسلمه منصبه، عن مواقفه دون تزوير أو تضليل، تحدث عن (عدم التزامه بمبادئ أنابوليس، لأنها لم تقر أبداً في الكنيست أو في حكومة «إسرائيل»، ورفضه حل الدولتين، واقتراحه السلام على سورية مقابل السلام دون انسحاب من الجولان)، مشدداً على (أن «إسرائيل» يجب أن تستعد للحرب، وأن تكون قوية إذا أرادت السلام... وبأن حكومته ستلتزم فقط بـ«خريطة الطريق» لأنها اتفاق دولي التزمت به «إسرائيل») مؤكداً على (أنه لن يوافق على سياسة التنازلات للفلسطينيين، مشيراً إلى أنه منذ العام 1967 تنازلت «إسرائيل» عن أراض تزيد عن ثلاثة أضعاف مساحتها. فقد تنازلت عن سيناء وعن أراض في الضفة والقطاع ووقعت على اتفاق أوسلو، ولكن ذلك لم يحقق السلام).
صحيفة «هآرتس» الصادرة في الأول من هذا الشهر، وبعد ساعات على إعلان التشكيلة الحكومية وفوزها بثقة الكنيست، تقول (إنها أكبر حكومة في تاريخ «إسرائيل»، وفي الوقت نفسه، من أكثرها هزالاً. تشكيلتها تنذر بالشر. حين تكون الاعتبارات الائتلافية هي المعيار الوحيد لتشكيل الحكومة، فإن النتيجة هي وزير مالية عديم الكفاءات الاقتصادية، وزير خارجية من شأنه أن يجد نفسه منبوذاً في العالم، وزير دفاع فشل في منصبه، وزير تعليم لم يعنَ أبداً بالتعليم). وإذا كانت هذه هي بعض ملامح هذه الوزارة، فإن «أمير بوحبوط» كشف في صحيفة «معاريف» بعد يومين على تشكيل الحكومة، عن دور رجال المؤسسة العسكرية العدوانية فيها (لم يسبق أن اجتمع في حكومة واحدة كل هذا القدر الكبير من «متخرجي الأمن» لقيادة خطوات سياسية بواسطة عمليات عسكرية. وهؤلاء سيطالبون حكومة نتنياهو ببلورة سياستها بسرعة. إذ أن الجيش «الإسرائيلي» لا يمكنه مواصلة المراوحة في المرحلة الحالية, حيث يتلقى الضربات ويردّ بشكل موضعي).
في ظل هذه التوجهات والأفكار «الحربية/ الاستئصالية»، لم يعد بإمكان- البعض- الذي يحاول تلطيف آثارها، وتبريد سخونتها، بالقول «إنها مجرد كلمات». لكن ماكتبه «يولي تامير» في صحيفة« يديعوت أحرونوت» يوم الثالث من نيسان الحالي يرد على سذاجة ذلك «البعض» (إن السياسة الخارجية في الأصل ليست سوى كلمات). أمام هذا المشهد الحكومي العدواني، ماذا يعني الإصرار على طرح المبادرة العربية «للسلام» التي ولدت ميتة، بفعل جنازير دبابات وصواريخ جيش الاحتلال، التي مزقت بنودها بعد أيام من إعلانها، وماذا بقي من «السلام الموهوم والمفخخ» في اتفاق أوسلو؟ إنها أسئلة لاتحتاج أجوبتها لعناء البحث.