أرقام فلسطينية ذات دلالة في عام 2009
لم تكن المعاناة الفلسطينية في العام المنصرم، استثنائية، بمقدار ماكانت جرعة الألم أكبر، وكمية الدماء الزكية التي لونت تربة الوطن أكثر. انقضى عام كارثي، افتتحته صواريخ الطائرات- أكثر من ثلث سلاح الجو شارك بالعدوان-، وقذائف المدفعية، والسفن الحربية، والدبابات الصهيونية الغازية، بحمم من النيران، والغازات السامة، ومواد الف,سفور الأبيض، التي حولت الأجسام البشرية إلى قطع من الجمر الملتهب المفتت. كما لم تسلم البيوت، ودور العبادة، والمشافي، وسيارات الإسعاف، والمدارس، ومراكز الإعلام، من الحقد الوحشي المتجدد، مع كل وقفة صمود وتحدٍ للإنسان العربي الفلسطيني، المتشبث بأرضه، والمسكون بأمل العودة لوطنه الذي هُجر منه.
تمارس قوات الاحتلال الصهيونية خطة عملها القائمة على انتهاك حق المدنيين الفلسطينيين في الحياة من خلال استخدامها لعمليات الإعدام، والقتل المباشر، عبر إطلاق النيران على المواطنين، بعيداً عن اعتقال «المطلوبين»! وتقديمهم للمحاكمات- التي تبقى في قوانينها وأحكامها جزءاً من مؤسسات دولة الاحتلال- في مخالفة واضحة لأحكام المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهي في برنامجها الاستئصالي هذا تعمل على إلغاء حق الإنسان بالحياة، الذي كما تقول «لجنة الأمم لحقوق الإنسان» بأنه (الحق الإنساني الأسمى). فعلى مدى ثمانية عشر يوماً من شهر كانون الثاني/ يناير من العام المنصرم، والذي كانت أيامه امتداداً لبدء العدوان الوحشي على قطاع غزة (27/12/2008) سقط من الشهداء أكثر من (1076)مواطناً، بالإضافة إلى إصابة عدة آلاف من المواطنين بجراح مختلفة في حين استشهد وضمن اطار هذه الحرب الممتدة على 22 يوماً ما يزيد عن (1460) مواطناً. وهذا ماتضمنه تقرير منظمة «التضامن الدولي لحقوق الإنسان» الصادر في آخر أيام العام المنصرم. فقد أكد التقرير بأن قوات الاحتلال قتلت خلال الفترة الممتدة ما بين 1/1/2009 وحتى 31/12/2009 (1594) مواطناً فلسطينياً في الضفة الغربية والقطاع، استشهد منهم (1460) مواطن نتيجة الحرب الأخيرة، في حين استشهد (134) مواطناً نتيجة للاعتداءات الصهيونية المتواصلة على المواطنين الفلسطينيين في الضفة وغزة. وكانت من أخر جرائم الاحتلال اغتيال 6 مواطنين في نابلس والقطاع.
ويعتبر شهر كانون الثاني من العام 2009 من أكثر الشهور دموية في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني منذ العام 1967 حيث استشهد ما مجموعه (1076) مواطناً فلسطينياً أي بمعدل سقوط ما يقارب 30 مواطناً كل يوم. وقد شكل المدنيون الفلسطينيون 85% من الشهداء، 40% منهم من الأطفال والنساء. كما كان من ضمن الشهداء الذين سقطوا خلال الفترة المذكورة (473) طفلاً سقط منهم (437) خلال العدوان الإجرامي على القطاع، كما استشهدت (126) مواطنة فلسطينية خلال الفترة المذكورة، سقطت منهن (116) امرأة خلال الحرب الأخيرة على غزة. كما استشهد خلال الفترة المذكورة (5 مواطنين) نتيجة انفجار أجسام من مخلفات جيش العدو بينهم (3) أطفال.
أما على صعيد مصادرة الأراضي فقد أكدت دراسات وتقارير عدة موثقة بأن سلطات الاحتلال صادرت 156570 دونماً خلال عام 2009، منها 139 ألف دونم في منطقة البحر الميت والنبي موسى وبراري عرب التعامرة والعبيدية والرشايدة لتسجيلها لمصلحة مستعمرة «معاليه ادوميم»، و12 ألف دونم اخرى أيضاً لمصلحة مستعمرتي «معاليه ادوميم» و«كيدار» إلى الشرق من القدس المحتلة، فيما صادرت 5500 دونم من مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية. كما أغلق الاحتلال بأوامر عسكرية نحو 48 الف دونم، منها 45 ألف دونم في محافظة الخليل، ونحو 3 آلاف دونم من أراضي بلدة يطا/ الخليل، مانعاً أصحابها من فلاحتها أو الدخول إليها. كما قامت قطعان المستعمرين باقتلاع واحراق 1400 شجرة مثمرة، وأكثر من 2000 دونم مزروعة بالمحاصيل الشتوية خاصة في محافظة نابلس
أما مدينة القدس ومحيطها، فتشهد أوسع عملية تهويد/ صهينة منذ احتلالها. فقد تم هدم 90 منزلاً، وهناك 11 ألف منزل تحت تهديد الهدم، كما توجد مخططات لبناء 11 ألف وحدة للمستعمرين في محيط المدينة. وأشارت التقارير أيضاً، إلى الانتهاء من المرحلة الأولى من أعمال البنى التحتية للمشروع الاستعماري «E1»، وبدء التحضيرات لبناء 3500 وحدة استعمارية/ استيطانية هناك، تضمن تواصلاً بين القدس المحتلة ومستعمرة «معاليه ادوميم».
وفي السياق ذاته وافقت سلطات الاحتلال على بناء 900 وحدة استعمارية/ استيطانية جديدة في مستعمرة «جيلو». كما قامت سلطات الاحتلال ببناء 800 وحدة استعمارية/ استيطانية، في الوقت ذاته الذي أقامت فيه مستعمرة جديدة تحمل اسم «سنسينه»،على حساب الأراضي الفلسطينية جنوب الخليل، ستضم 440 وحدة سكن (نحو 2.500 نسمة). وأعلن الاحتلال عن نيته بناء 104 وحدات سكنية للمستعمرين، وكنيس يهودي ومسبح وحمام في حي راس العمود بالقدس المحتلة، فوق أرض فلسطينية مصادرة كان يقام عليها المقر العام لشرطة الاحتلال. كما تتواصل عمليات الحفر أسفل المسجد الأقصى، وفتح انفاق جديدة وربطها ببعض، مما يشكل خطراً حقيقياً على المسجد والمنطقة المحيطة فيه، كما حدث لأرضية مدرسة الإناث التابعة لوكالة الغوث التي انهارت في المنطقة نفسها.
ويعاني المواطنون العرب في القدس المحتلة من تسارع واتساع الإجراءات الجديدة التي تستهدف سحب ومصادرة هوياتهم، فخلال عام 2009 تم الكشف عن قيام سلطات الاحتلال بسحب نحو 4570 بطاقة هوية خلال العام 2008، وحرمهم من حق الإقامة في المدينة، بموجب قوانين احتلالية تهدف إلى تقليص عدد المواطنين العرب في المدينة، مما يشير إلى أخطار كبيرة تتهدد عشرات الآلاف من مواطني المدينة.
في ظل هذا المشهد من المعاناة المستمرة منذ قرن ونيف من عمر المجابهة مع المشروع الاحتلالي الصهيوني المدعوم من امبرياليات الغرب الرأسمالي، تتأكد الحاجة الملحة، لإعادة التأكيد على المشروع العربي- الفلسطيني التحريري/ التحرري، الذي ينهض من بين ركام الرهان على ماجلبته نكبة الفلسطينيين في اتفاق أوسلو، ومسار «المفاوضات حياة»، ليعيد التمسك بثقافة المقاومة ونهجها، وفي القلب منها، المقاومة المسلحة، التي تتطلب إعادة انتاج لقوى الفعل الذاتية، المتسلحة بجماهير شعبها وأمتها، القادرة على مجابهة مخططات ومشاريع الأعداء.