الشعب والأرض يقاومان التهجير والتهويد
لم يكن يوم الثلاثين من آذار عام 1976 يوماً عادياً عند قطاعات واسعة من الشعب العربي الفلسطيني داخل وطنه المحتل منذ عام 1948. كان ذلك اليوم موعداً مع التمرد الجماعي، والاحتجاج على اجراءات القمع والتهميش ومصادرة الأراضي وهدم القرى. كانت شرارة التفجير المباشرة، قيام سلطات الاحتلال بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي المنطقة 9 «عرابة البطوف وسخنين ودير حنا» وغيرها، لإدراجها في مخططات بناء المستعمرات الجديدة، ضمن سياسة «تهويد الجليل والنقب». في هذا اليوم المجيد، توج المواطنون العرب سلسلة نشاطاتهم وتحركاتهم التي تمخض عنها تشكيل «لجنة الدفاع عن الأراضي» بالدعوة للإعلان عن الغضب الشعبي، الذي لاحت بوادره يوم 29آذار، لتتفجر في اليوم التالي، الهبة الجماهيرية الغاضبة، التي سقط خلالها ستة شهداء هم: خير ياسين «عرابة»، رجا أبو ريا وخضر خلايلة وخديجة شواهنة «سخنين»، محسن طه «كفر كنا»، ورأفت زهيري «من مخيم نور شمس، سقط في طيبة المثلث» هذا بالإضافة إلى حوالي 50 جريحًا ونحو ثلاثمائة معتقل.
جاء إحياء عروبة الأرض هذه السنة، بتحركات واسعة شهدتها البلدات والتجمعات العربية الفلسطينية في عموم الأرض المحتلة منذ عام 1948، في الناصرة وأم الفحم والنقب وسخنين ودير حنا وعرابة وداخل الجامعات. وقد انطلقت المسيرة المركزية لإحياء الذكرى الثالثة والثلاثين ليوم الأرض، بتحرك جماهيري واسع، إذ سار آلاف المتظاهرين من مدينة سخنين في الجليل العربي الفلسطيني ليلتحموا بمسيرة أخرى تحركت من عرابة البطوف، لتلتقي بمسيرة أخرى قادمة من عرابة، لتختتم في مهرجان مركزي في بلدة دير حنا. وقد انتظمت هذه التحركات تحت شعارات وبرامج عمل، صاغتها سكرتارية لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اجتماعها الذي عقدته بعد ظهر يوم الخميس 19/ 3 / 2009 في مكاتب اللجنة في الناصرة، والتي أشارت إلى أن (قضية العنصرية والفاشية، وضرورة التصدي الوحدوي لها، هي في مقدمة قضايا «يوم الأرض»، لما تُشكله من مخاطر وجودية وليست فقط حقوقية، تجاه الجماهير الفلسطينية في البلاد، دون الإنتقاص من القضايا والمواضيع الهامة الأُخرى، وليس على حسابها).
تأتي خطورة تنامي العنصرية من خلال فاشية القوانين، والممارسات، التي تستهدف التضييق على العرب الفلسطينيين في شتى مجالات الحياة، بل وفي استهداف وجودهم، خاصة مع ماكشفت عنه أحداث العام المنصرم، والتي يمكن الاستدلال على بعض شواهدها، من خلال التذكير بما يتعرض له سكان «الحي الشرقي» في مدينة عكا، وأهالي حي «العجمي والنزهة» في يافا، و«الناصرة العليا» واللد والرملة، و«أم الفحم» على يد عصابات اليمين الفاشي بتلاوينه الدينية والعلمانية، والمنفلت في شوارع هذه البلدات، وهو يردد ماينعق به غربان الفاشية «مارزل، بن غفير وبن آري» (الموت للعرب) في ظل حماية بوليسية، حكومية، شاملة. وقد أكد مركز «مساواة» من خلال التقارير والتصريحات الصادرة عن المشرفين عليه، (ارتفاع حالات التمييز ضد العرب خلال عام 2008 بنسبة 150%).
على مدار أيام العام الماضي، مارست التكتلات الفاشية العنصرية، بالاستناد على انكشاف وسفور برامج الأحزاب اليمينية، و«اليسارية» التي يتحدث عنها الدكتور جمال زحالقة قائلاً «إن هذا السفور يسهل علينا محاربة العنصرية، وأن ما يسمى باليسار ليس أقل عنصرية من نتنياهو وليبرمان، ولكن الأخيرين لا يخفيانها بمساحيق تجميل، مما يسهل علينا تعريتها وفضحها»، خاصة، مع تشكيل حكومة صهيونية جديدة، يتآلف في داخلها، تحالفٌ أكثر عدوانية وعنصرية. وهذا ماأشار إليه الرئيس بشار الأسد في كلمته الافتتاحية لقمة الدوحة، التي صادف انعقادها ذكرى يوم الأرض بقوله (مجيء حكومة يمينية ومتطرفة لا يغير في الواقع شيئاً لأن يمينهم كيسارهم كوسطهم جميعهم يتنافسون على أراضي العرب وأرواحهم ودمائهم وجميعهم يعكس حقيقة أن المجتمع «الإسرائيلي» غير مهيأ للسلام وهو لم يكن مهيأ من قبل ولكن حالته تسوء يوماً بعد يوم). وهذا ماتُظهره أشكال «التطهير العرقي»، المتجانس/ المتماهي مع التهويل المبرمج من «الخطر الديمغرافي» الذي تتم ترجمته الفعلية منذ أكثر من ستة عقود، بعمليات تهجير واسعة، تترافق مع مصادرة دائمة ومنهجية للأرض. إن هجمة بناء المستعمرات المتواصلة، لاتقتصر على الضفة الفلسطينية ومدينة القدس فقط، بل تطال كل مناطق الجليل والمثلث والنقب، عبر سياسة التضييق الشامل على القرى والبلدات العربية، لتنفيذ «أكثر نسبة عرب على أقل مساحة أرض». فالأراضي الفلسطينية تتعرض للمصادرة الدائمة، في الوقت الذي يتزايد فيه أصحاب الأرض الأصليون. نسبة العرب داخل الكيان هي أكثر من ثماني عشرة في المائة، لكنهم يملكون اثنين ونصف بالمائة فقط من مجموع الأراضي. إذ تضاعف عدد الفلسطينيين منذ الاحتلال وإقامة الكيان عام 1948، ثمانية أضعاف، في الوقت ذاته الذي قلت نسبة الإراضي التي يملكونها إلى النصف. وهذا ماأشار إليه بيان «المؤسسة العربية لحقوق الإنسان» بذكرى يوم الأرض هذا العام بقوله (في النقب تتصاعد وتيرة هدم البيوت وطرد المواطنين العرب من أراضيهم وقراهم ضمن مخطط الدولة للاستيلاء على الأراضي وتجميع أصحابها الأصليين في اصغر بقعة ممكنة، اضافة لاستمرار سياسة الاستيطان السياسي في المثلث والجليل والنقب والتي ترى بالوجود العربي خطراً ديموغرافياً وامنياً يجب محاصرته سياسياً وجغرافياً، بالإضافة لاستمرار سياسة الترحيل وهدم الأحياء العربية في المدن المختلطة). لقد أقامت حكومات العدو المتعاقبة أكثر من ستمائة بلدة ومدينة للمحتلين الصهاينة على أنقاض خمسمائة وعشرين قرية فلسطينية.
إن ممارسات الرعاع وإجراءات الحكومة، وجهان لموقف واحد. ويمكننا القول إن انفلات تلك العصابات المسلحة والمشحونة بأعلى درجات العداء والكراهية للعرب، كانت التعبير الحقيقي عن الواقع المتصهين داخل الكيان. لأن سياسة التطهير العرقي المنظم كانت في صلب/ مركز المشروع التهويدي/ الصهيوني لأرض فلسطين، وكتاب «التطهير العرقي في فلسطين» للأكاديمي اليهودي «ايلان بابه» شاهد على خطة الترانسفير، والمذابح الجماعية التي تؤدي لذلك. فالكتاب يفضح الأفكار، والممارسات، وأدوات «عصابات» التنفيذ القذرة، التي قامت، ومازالت تمارس هذه السياسات الاحتلالية/ الاجلائية/ الدموية.
في ذكرى يوم الأرض الفلسطينية، يتجدد توحد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في كل أماكن وجودهم، للدفاع عن عروبة الأرض، وعن ثبات وتجذر أبنائها داخل وطنهم. فالمعركة التي يخوضها الفلسطينيون للدفاع عن عروبة الأرض/ الوطن الذي أحتُل مرتين، تتمحور حول مواجهة الإحتلال وكيانه الإرهابي، من خلال التمسك ببرنامج المقاومة، عبر تصعيد المواجهة، حسب خصوصية كل جبهة صراع، في إطار المشروع الكفاحي التحرري لشعبنا.