«يهودية» الكيان الصهيوني بين الاشتراطات والوقائع!
لم تكن تلك الكلمات المتدحرجة من فم نتنياهو، في اجتماع الحكومة، وأمام الميكروفونات الإعلامية، أو على مسامع الموفد الأمريكي للمنطقة جورج ميتشل، مفاجأة للمراقب المهتم بمتابعة تطورات الصراع العربي/الصهيوني. فالحديث عن اعتراف الفلسطينيين وباقي العرب بـ«يهودية» الكيان الإرهابي لم يكن جديداً، فقد تم تداول تلك الصفة/ المضمون في لقاء جمع بوش وعباس وقادة العدو الصهيوني، وبعض حكام دول «الاعتلال» العربية في شرم الشيخ قبل عامين تقريباً، كما أن مجرمة الموساد تسيبي ليفني كررت استخدام هذه الصفة خلال الأشهر الأخيرة من مدة حكمها، وهي توجه كلامها الغاضب والتحذيري للمواطنين العرب، أصحاب الأرض في مدن عكا ويافا وأم الفحم المحتلة منذ عام 1948، أثناء تحركاتهم الاحتجاجية على عنصرية القوانين، وفاشية الممارسات الرسمية للسلطات، وبلطجة الزعران من أعضاء عصابات الحقد اليهودية، المنفلتة في الشوارع، وهي تنعق «الموت للعرب» تحت سمع وبصر ودعم أجهزة القمع الحكومية.
على ضوء نتائج لقاءات المبعوث الأمريكي مع قادة العدو في الحكومة والمعارضة، خاصة ماصرح به نتنياهو وطاقم الإعلام الرسمي في مكتبه، يوم الخميس «16 نيسان» عن (أهمية وضع شرط مسبق للمحادثات على أساس دولتين لشعبين، بأن يعترف الفلسطينيون أولاً وقبل أي شيء آخر، بإسرائيل دولةً يهودية، قبل التحدث عن دولتين لشعبين)، وما بين هذا الكلام الواضح في مضمونه واهدافه، والتصريحات المخففة، التي حاولت تدوير زوايا الكلمات والمواقف، عبر سحب الاشتراط بالاعتراف المسبق بيهودية الكيان، والتي بدأت ألسنة أكثر من مسؤول في حكومة العدو تتحدث بها يوم الأحد «20 نيسان» تنكشف مجدداً، رغم كل «البروباغندا» الإعلامية، مايدور داخل الغرف البعيدة عن أضواء كاميرات الفضائيات، والتي يتم فيها رسم خطة الإعلام المبرمج لوظيفة كل طرف داخل كيان العدو وواشنطن، لتوظيف مهاراته في تشكيل وعي وسلوك الإنسان في أكثر من موقع داخل وطننا.
لكن المؤكد في كل هذه الحوارات الأمريكية مع قادة حكومة العدو، أن ميتشل وطاقمه، ركزا في كل أطروحاتهم، على ضرورة التوصل لحل «الدولتين»، والتي كانت كلمات المبعوث الأمريكي واضحة في دلالتها، وفي الرسائل التي تبعث بها لجميع الأطراف، عندما قال بعد انفضاض لقائه بالمجرم ليبرمان (أوضحت لوزير الخارجية أن سياسة الولايات المتحدة تعطي أولوية لحل الدولتين، تعيشان بسلام، دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل دولةً يهودية).
وإذا كان كلام ميتشل عن «دولة يهودية» قد جاء في سياق التصريح المذكور، فإن العديد من المراقبين، تساءل عن حقيقة تلك الزوبعة المثارة عن رفض إدارة أوباما لتلك الصفة/ المضمون. إن الواضح في لعبة الكلمات تلك، أن رفض ميتشل، كان ومازال، حول وضع الاشتراط المسبق قبل العودة لما يسمى «طاولة المفاوضات». فقد حاول الطرف الصهيوني «التشاطر والتذاكي» حينما صرح أحد المسؤولين في مكتب رئيس الحكومة الارهابية من أن نتنياهو سيوضح لميتشل بأن حكومته (غير مهتمة بأن تحكم الفلسطينيين، لكنها تريد المحافظة على مصالحها الأمنية ...فضلاً عن الحصول على اعتراف فلسطيني بالقدس عاصمةً «للشعب اليهودي»). لكن عدداً من وزراء الحكومة الارهابية أعاد التأكيد على معارضته لحل الدولتين. الوزير «إيلي يشاي» زعيم حزب «شاس» قال (إن الصيغة السياسية التي ينبغي العمل على أساسها هي اقتصادان لشعبين، وليست دولتين للشعبين) في اجترار سمج لموقف نتنياهو الذي يركز على خطة «السلام الاقتصادي» الموهوم!
رد فعل سلطة رام الله المحتلة على اشتراطات نتنياهو كان سريعاً، فقد أعلن أكثر من مسؤول فيها عن الرفض المطلق لتلك الدعوة المشروطة. محمود عباس أوضح لميتشل (بأن السلطة والقيادة الفلسطينية ترفض الاعتراف بيهودية «إسرائيل»). كما انتقد صائب عريقات (اشتراط الاعتراف بيهودية «إسرائيل» لأنه «هلوسة» من جانب نتنياهو). قوى المقاومة الفلسطينية جميعها، أعادت مجدداً رفضها ليس فقط لتلك «الهلوسة»، بل وللعودة لطاولة «إضاعة الوقت»! لأن حكومات العدو المتعاقبة، تعمل على كسب الوقت من أجل تثبيت وقائع جديدة على الأرض «توسيع كتل المستعمرات، تهويد وصهينة مدينة القدس ومحيطها، سرقة الثروات الطبيعية، مصادرة الأراضي، استكمال جدار الضم والنهب العنصري...
إن الكيان الصهيوني يمارس منذ أن تم فرضه على أرض فلسطين، بالمؤامرات الدولية والإقليمية، وبالمجازر، عملية فصل عنصرية بين المستعمرين الجدد وأصحاب الأرض. يهودية الكيان تُطبق بهدوء من خلال القوانين العنصرية، والمجازر والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني والأمة العربية. هذه اليهودية التي تتخفى وراء «الديمقراطية والتعددية» الزائفة، لكونها مبرمجة على مقاس المستعمر، القادم من الخارج. كيان الديمقراطية هذا، يفتقد لدستور يحدد ماهية الكيان وحدوده، والنظم التي تضبط إيقاع حركته في مختلف المجالات، وبالتالي تسقط بالممارسة «المواطنة» عن أهل البلد الأصليين، ليستكمل العمل ليل نهار، ليس على التطهير العرقي، القائم على طرد- وإذا أمكن تصفية- تلك «الأقلية» المتمردة، بل العمل على صهينة كل شيء.
على الرغم مما أحدثته التصريحات التي رافقت جولة المبعوث الأمريكي لبعض أقطار وطننا العربي من ردود أفعال، فإن مارافقها على أرض الصراع الفلسطيني/ الصهيوني، قد سلط الضوء على جذر القضية، الاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية، بما يفرضه من ممارسات إجلائية، اقصائية، تصفوية لأبناء الوطن. إن الدماء التي روت تراب الوطن في بلعين، والخليل، وغزة، وصرخات الرفض لطرد أهالي مدينة القدس من بيوتهم، وحملات الإعتقال والاغتيال ضد مناضلي الشعب، ووجود أكثر من أحد عشر ألف أسير وأسيرة داخل معتقلات النازية الجديدة، وتقطيع أراضي الضفة المحتلة، ومصادرة آلاف الدونمات منها ومن مناطق الأغوار، ودعوات «تطهير» الأراضي المحتلة منذ عام 1948 من أصحابها، ماهي سوى الترجمات العملية للمشروع الصهيوني، الإرهابي، الاحتلالي. وفي ظل كل ذلك، يبقى السؤال المشروع: ماذا ترك العدو المحتل، واتفاق أوسلو وقرارات اللجنة الرباعية، وتفاهمات أنا بولس، وخارطة الطريق، من مساحات في العقول، قبل الأراضي- التي تمت مصادرة معظمها- لإقامة «دولة فلسطينية» قابلة للحياة، دون سيادة، وهل يرضى مواطنوها التعايش بـ«سلام» دون «كرامة»، مع جارهم/ عدوهم التاريخي «قديماً وحاضراً ومستقبلاً»، والذي يراقب تحركاتهم، ويحصي أنفاسهم. الإجابة يرددها أبناء فلسطين التاريخية داخل وطنهم وفي كل مناطق اللجوء: لابديل عن التحرير والعودة للوطن.