بين قوسين: ازدحام مروري
انطفأت حمى الدراما التلفزيونية بانتهاء موسم رمضان الجنوني، إذ كان على المشاهد المواظب، أن يتابع نحو ألف ساعة تلفزيونية اقترحتها الشركات الإنتاجية السورية.
انطفأت حمى الدراما التلفزيونية بانتهاء موسم رمضان الجنوني، إذ كان على المشاهد المواظب، أن يتابع نحو ألف ساعة تلفزيونية اقترحتها الشركات الإنتاجية السورية.
أنا وأمي متعصبان لـ«ضيعة ضايعة» ضد أي مسلسل آخر، ولكل منا في التعصب أسباب متضاربة، ليس لأن التعصب لا يُولّد إلا التعصب، أبداً... لا، إنما، وهذا شأن أهل الهوى وحدهم، لا يجوز حبٌّ ولا عشّاقٌ بلا عصبية!
أسباب أمي كثيرة، منها أن أهل الضيعة لا يحبّون الحكومة مهما حاولوا أن يبدوا عكس ذلك بالنفاق والتدليس، إذ دائماً ما يُفضح أن هذا (الحب) ليس سوى كراهية، كما ترى أن الحلقة المخصصة لدعم المازوت يجب أن تجعل (الذين فوق) يستحون على دمهم، فالمازوت، بحسب الحلقة، كالرحمة لا تجوز إلا على الأموات. كذلك تحب أمي عبد السلام البيسة، وتتعاطف معه، وتشفق عليه، مما يفعله (سلنغو) و(عفوفة) به وبشرفه.. وتحب الضيعة بسبب اللهجة اللذيذة والتشويش على المفردات البذيئة ووجود الجبال والبحر جنباً إلى جنب!
شكل الجزء الأول من «ضيعة ضايعة» علامة فارقة في تاريخ الكوميديا السورية، ولعل من أهم إنجازاته، النجاح في توظيف اللهجة المحلية في خدمة كوميديا الموقف، دون الوقوع في فخ التهريج بواسطة اللهجة، إضافة إلى إطلاق طاقات الممثلين، وإعادة الاعتبار للممثل ودوره في صناعة الدراما. ومع الجزء الثاني حقق صُنَّاع المسلسل نجاحاً آخر يحسب لهم، إذ جاء نقلة نوعية حقيقية إلى الأمام، ونجح في الانتقال إلى فضاءات أوسع، وفي تقديم رسائل أكثر عمقاً ونضجاً.
إذا كان العديد من الأعمال الدرامية هذا الموسم يبعث على الأسى شكلاً ومضموناً، ويطرح جملة من الأسئلة عن واقع ومستقبل الدراما السورية خاصة، والعربية عموماً، فإن النقد الدرامي الموازي بمعظمه – وسأخرج هنا عن اللباقة – يبعث جدياً على القرف..
تبقى مشكلة النصّ الدّرامي حاضرةً على الرغم من أنّ هناك مسلسلات مثيرة للجدل، وهي فعلاً مثيرة للجدل لمجرد أنّها تمتاز بالجرأة في الطّرح لا في المعالجة، ففي حين تبقى جرأة الطرح في حّيز الإثارة والمانشيت الساخن، تذهب جرأة المعالجة إلى فتح حوار حقيقي برؤيا متماسكة وصلبة، وهذا ما حققه مسلسل «لعنة الطين»، الذي ظهر كوردة برية خارج السياج، ليطرح أفكاراً ويساجل ويشاكس، وليقدم شخصيات شديدة الغنى في أرض بكر لم تحرث.. وكاد مسلسل «تخت شرقي» أن يبلغ تلك الدرجة لولا تفككه غير المفهوم، رغم كل ما يبدو عليه من قراءة طازجة للواقع وأحواله.
حملت شخصية «أبو جانتي- ملك اللانسر» منذ ولادتها في إحدى لوحات بقعة ضوء إمكانية جدية لبناء عمل درامي ناجح، فسائق التاكسي المرح والمحب والشجاع يمكن أن يصادف في شوارع العاصمة دمشق عشرات المفارقات والأحداث، ويمكن أن يلتقي بركاب من جميع شرائح وفئات المجتمع السوري لينقل لنا قصصهم. وهكذا فقد كان من الممكن أن نشاهد مع «ملك التاكسي» رصداً هاماً لما يدور في الشارع السوري، مع جرعة لذيذة من المرح، إلا أننا فوجئنا بشخصية سائق يعتقد أن العالم كله يتمحور حوله وحول ما يحمله من شهامة وأصالة، فاختار أن يتقمص شخصية العكيد «أبو شهاب» حيناً، وشخصية شاعرٍ مرهف الأحاسيس، صادق الانتماء والعشق حيناً آخر.
عندما يحمل الفنان صفة إشكالية ما خلال تجربته الفنية فإن هذه الصفة تضعه في مقدمة النجوم على الرغم من أن أدواره بسيطة وقليلة إلا أن هذه البساطة والقلة قد تولد نموذجاً فنياً فريداً يضاهي فيها الفنان الذي ما زال في الظل كثيراً من فناني المانشيتات العريضة.. هكذا هو فادي صبيح.
حذر د. محمد سعيد رمضان البوطي من عواقب المسلسل التلفزيوني «وما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدت أنزور، متهماً المخرج أنزور بأنه اقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه، ويسميه ساخراً: (وما ملكت أيمانكم), و قد أهاب بالجميع «ألا يتورطوا في بث شيء من هذا المسلسل»، عبر نداء نقلته إحدى المواقع السورية.
الأكيد أن ندوات الدراما أسوأ من الدراما نفسها، هذا ما تعلّمنا إياه الندوات التي ما انفكت تقام في المراكز الثقافية ومحطات التلفزة والإذاعة، والآن ونحن نعيش موسم «دراما 2010» أحذركم من الاهتمام بهذه الندوات أينما وجدت، وكيفما كانت، لأنكم موعودون بالصداع وعذاب الضمير، فأهل الدراما بعيدون عنا بعد السماء عن الأرض.
الكاتب المتعدد حسن م يوسف معروف لدى الجمهور الثقافي السوري نظراً لتعدد اهتماماته، فهو قاص وصحافي ومسرحي وسيناريست.. فمن لم يقرأ مجموعاته القصصية لا بد وأنه يقرأ زواياه الصحفية، ومن لم يفعل فلا بد أنه شاهد من مسلسلاته الكثيرة..
من أعماله القصصية: «العريف غضبان»، «قيامة عبد القهار عبد السميع»، «الآنسة صبحا».. في الدراما التلفزيونية له: «نهاية رجل شجاع»، «إخوة التراب» (جزآن)، المادة المعاصرة في مسلسل «البحث عن صلاح الدين»، «سقف العالم».