الدراما.. والنقد مع التيار
إذا كان العديد من الأعمال الدرامية هذا الموسم يبعث على الأسى شكلاً ومضموناً، ويطرح جملة من الأسئلة عن واقع ومستقبل الدراما السورية خاصة، والعربية عموماً، فإن النقد الدرامي الموازي بمعظمه – وسأخرج هنا عن اللباقة – يبعث جدياً على القرف..
المبرر الأساس لهذا الانطباع/ الشعور، ولو جاء حاداً، هو سير نسق النقد على الأغلب، وراء الآراء أو التقييمات السبّاقة أو الطاغية بغض النظر عن مدى موضوعيتها أو نزاهتها، مما يجعل النقد يأخذ لاحقاً شكل موجات هائجة، نمطية ومتشابهة في رؤية وتقييم وقراءة الكثير من الأعمال، الحديثة الولادة، وذات الأجزاء المتكررة، وعشوائية وشمولية ومطلقة في التمجيد أو في التقريع..
وسواء أكانت التقييمات الأولى موجّهة بخبث من جهات إعلامية أو درامية، أو جاءت بالمصادفة أو بالمحسوبية، أو لا تعبّر فعلياً إلا عن رأي صادق لصاحبها.. فإن الموجة التي شكّلتها لاحقاً تضعنا أمام حقيقة لا مفر من الاعتراف بها، وهي أنه إذا كان عدد كبير من العاملين في الدراما أميين أو شبه أميين، فإن عدداً لا يستهان به من الإعلاميين والصحفيين والنقاد الفنيين ليسوا بأحسن حالاً..
ولعل أبرز الأسباب المباشرة لهذا الخواء النقدي، هو استسهال البعض للكتابة في الشأن الفني، وخاصة في الدراما بوصفها فناً يعتبره كثيرون شعبياً وبسيطاً، والمترافق مع وجود وسائل إعلام حديثة العهد لم تشكل بعد تقاليدها الاحترافية، لا تدقق كثيراً في ما ينشر في شأن ليس له غالباً تداعيات تذكر بالمعنى الرقابي..
أما السبب العميق فيكمن في قلة وعي وثقافة معظم المشتغلين في هذا الشأن، خصوصاً مع غياب المراجع الجيدة التي تؤسس لنقد واع وموضوعي وعلمي، فحسب علمي أنه لا يوجد في المكتبة العربية سوى كتاب رصين واحد يبحث في هذه المسألة بشكل عميق، وهو كتاب «بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني» للناقد والباحث المعروف قيس الزبيدي، مما يدع المجال مفتوحاً على مصاريعه لمن هب ودب لكي يمدح أو يذم كيفما يشاء، أو يرفع من شأن أي عمل درامي مهما كان متواضعاً، أو يدفع بأي عمل مهما كان جيداً أو جريئاً نحو الحضيض..
والحال كذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لن نفاجأ بالآراء المحلية الهائجة التي ما انفكّت منذ خمس سنين خلت تهاجم «باب الحارة» على شكل موجات متشابهة لدرجة التطابق من زاوية تكريسه «للتخلف»، باللغة ذاتها، والمنطلقات ذاتها، وبالعنجهية ذاتها، مع العلم أن الصحافة العربية التي تعاني من الأمراض المزمنة عينها، ما انفكت طوال سني عرض المسلسل تمدح وتبارك وتعدد محاسنه وتشيد بنجومه وفنييه وكتّابه المتناوبين!.. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض العجيب.. وعلام اعتمد المداحون والهجاؤون؟؟.
وكمثال آخر على هذا التخبط وضيق الرؤية وخجل المبادرة، يقف المرء اليوم حائراً أمام عدم التفات النقد بشكل واسع وعميق إلى عمل بغاية الأهمية يجري عرضه هذا الموسم هو «تخت شرقي»، الذي يشكل – من وجهة نظري- نقلة نوعية في تاريخ الدراما السورية، من حيث واقعيته وجرأته وبساطته وتميز مجموعة العمل المتناغمة التي أنجزته.. هل هو تأخر في وعي وإدراك أهمية المسلسل وضعف استيعاب لتجريبيته العالية لغته الدرامية المختلفة، أم أن الموجة النمطية العشوائية، (القابلة أو الرافضة لا أدري)، لم تتشكل بعد؟؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.