نجوان عيسى نجوان عيسى

ملك التاكسي.. وضياع الطريق

حملت شخصية «أبو جانتي- ملك اللانسر» منذ ولادتها في إحدى لوحات بقعة ضوء إمكانية جدية لبناء عمل درامي ناجح، فسائق التاكسي المرح والمحب والشجاع يمكن أن يصادف في شوارع العاصمة دمشق عشرات المفارقات والأحداث، ويمكن أن يلتقي بركاب من جميع شرائح وفئات المجتمع السوري لينقل لنا قصصهم. وهكذا فقد كان من الممكن أن نشاهد مع «ملك التاكسي» رصداً هاماً لما يدور في الشارع السوري، مع جرعة لذيذة من المرح، إلا أننا فوجئنا بشخصية سائق يعتقد أن العالم كله يتمحور حوله وحول ما يحمله من شهامة وأصالة، فاختار أن يتقمص شخصية العكيد «أبو شهاب» حيناً، وشخصية شاعرٍ مرهف الأحاسيس، صادق الانتماء والعشق حيناً آخر.

درامياً يعد «أبو جانتي» نموذجاً ساطعاً لمسلسل النجم الأوحد، فجميع الشخصيات مركبة على مقاس سائق التاكسي البطل، والمبرر الوحيد لوجود أغلب هذه الشخصيات هو استكمال حلقات المسلسل الثلاثين التي لا يستطيع أبو جانتي وزبائنه استكمالها دون مساعدة، والمحزن أن هذه المساعدة جاءت من نجوم كبار من عيار خالد تاجا وسامية الجزائري وأيمن رضا. وهكذا يسرح سائقنا ويمرح في طول المسلسل وعرضه، وعندما يقرر أن يستريح، فإنه يتركنا مع حوارات وأحداث وشخصيات لا تقول شيئاً، ولا تلعب أي دور درامي فعلي.

وبعيداً عن التحليل الدرامي والفني، فإن ثمة سؤالاً يفرض نفسه علينا: ترى ما الذي يريد سامر المصري وهو كاتب العمل والمشرف على إنتاجه ونجمه الأوحد أن يقوله لنا أو لغيرنا، وما هي الرسائل التي يحملها العمل؟

أبو جانتي الذي أتخمنا بعشرات المحاضرات الأخلاقية والوطنية، لم يتورع عن إهانة جميع السوريين الذين يحلمون بالهجرة خارج الوطن بحثاً عن فرص أفضل، ولكنه لم يقل لنا أي شيء عن الأسباب التي تدفع شباب الوطن للبحث عن فرص خارجه، ولعل النجم سامر المصري لديه إجابةٌ أو مشروع إجابةٍ على هذا التساؤل، ولكنه لم يتحفنا بها، وهذا يعني بكلمات أخرى أنه يقول: «لا تشغلوا بالكم باللاوطنيين الواقفين على أبواب السفارات، فنحن الوطنيين باقون على أرض الوطن».

هذه ليست إلا واحدة من عشرات الدروس التي قدمها سائقنا دون أي سياق درامي مقنع، وطبعاً فإن سائقاً بهذه الشهامة والوطنية لا بد أن يستكمل بنود «وطنيته» من خلال ممارسة ذكوريته  على أخته الصغيرة في أكثر من موقف مشرف.

لم ينس «ملك التاكسي» أن يساهم في دفع المصالحة العربية مربعاً إلى الأمام، من خلال السعي في عقد زواج ابنة جيرانه على رجل سعودي متزوج ولديه أطفال، وطبعاً لم ينس أيضاً أن يقيم له عرساً شامياً مع عراضة تحتفي به وبزواجه بفتاة من أرض الشام.

جاء المسلسل حافلاً بعشرات الرسائل المباشرة التي تجاوزتها صناعة الدراما، كما جاء محاولةً لتكريس نجومية ممثل تمت صناعة عمل درامي كامل من أجله وحده، وفضلاً عن ذلك فقد جاء في معظم حلقاته رصداً لشخصية سائق تاكسي من خلال زبائنه، في حين كان يفترض أن يتضمن العمل محاولة جديةً لرصد أزمات المجتمع السوري من خلال الزبائن، تلك الأزمات التي يمكن مشاهدتها بكل وضوح من نافذة أي تاكسي.

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 16:41