انتهى مؤخراً من كتابة مسلسل يتناول حياة الراحل محمود درويش حسن م يوسف: لم أركب على كلمتي ولم أحلبها
الكاتب المتعدد حسن م يوسف معروف لدى الجمهور الثقافي السوري نظراً لتعدد اهتماماته، فهو قاص وصحافي ومسرحي وسيناريست.. فمن لم يقرأ مجموعاته القصصية لا بد وأنه يقرأ زواياه الصحفية، ومن لم يفعل فلا بد أنه شاهد من مسلسلاته الكثيرة..
من أعماله القصصية: «العريف غضبان»، «قيامة عبد القهار عبد السميع»، «الآنسة صبحا».. في الدراما التلفزيونية له: «نهاية رجل شجاع»، «إخوة التراب» (جزآن)، المادة المعاصرة في مسلسل «البحث عن صلاح الدين»، «سقف العالم».
* لماذا توقفت عن كتابة القصة القصيرة؟
لم أتوقف عن كتابة القصة القصيرة أبداً. أنا في الأساس كاتب مقل في هذا الجنس الأدبي، ذلك لأنني أخضع القصة قبل كتابتها لامتحان الزمن، فعندما تخطر لي قصة لا أكتبها مباشرة، بل أتركها لبعض الوقت، فإن نسيتها كانت جديرة بالنسيان، أما إذا ظلت تنمو في داخلي، تلتقط تفاصيلها من حياتي وحياة الآخرين من حولي، فستتحول تدريجياً إلى هاجس داخلي ممض، وعندها أتخلص منها بالكتابة.
* برزت مع «العريف غضبان»، وقد ارتبط اسمك به، إلى أي حد ترى أن هناك كتباً تصبح لعنة على مؤلفيها؟
من حسن حظ تلك المجموعة القصصية أنها نشرت في وقت كانت فيه القصة القصيرة ماتزال موضع اهتمام النقاد الجادين والمؤسسات الإعلامية الرسمية، والفضل في ذلك يرجع لعدد من المثقفين الوطنيين في المنابر الثقافية يأتي على رأسهم الشاعر الكبير محمد عمران في «الثورة»، والمترجم القدير عدنان بغجاتي في «البعث». فقد فازت قصة «العريف غضبان» بالجائزة الأولى في مسابقة «الثورة» وكتبت عنها عشرات المقالات التي ولو جمعت لشكلت كتاباً ضخماً. كما فازت قصة «سالاثيميا عظمى» بالجائزة الأولى في مسابقة جريدة «البعث» أيضاً، واحتُفي بها إلى حد بعيد، لكن الاهتمام بالقصة تراجع بسرعة قياسية بعد غياب المثقفين الكبار عن مراكز قرار النشر، حتى وصلنا الى الوضع الراهن الذي يعادي الإبداع ويحكم على فن القصة القصيرة الرائع بالإعدام. أعتقد أن الكتاب الأول يصبح لعنة على صاحبه عندما لا يتمكن كاتبه من تجاوزه، وأنا على ثقة أن مجموعتي «العريف غضبان» ليست لعنة بالنسبة لي، فقد تجاوزتها مراراً على صعيد التقنية والأسلوب وحتى الموضوعات، لكن المجموعات التالية لم تحظ بالضجة نفسها التي حظي بها الكتاب الأول للأسباب آنفة الذكر.
* في كتابتك هناك نوع من الحكمة.. الحداثة تبتعد عنه.. ما قولك؟؟
-أهم شيء بالنسبة لي هو أنني لا أقسر الكلمات على خدمة أهوائي بل أأتمنها على ضوء روحي. لست أجد نفسي حكيماً كما تقول، لكنني معني بخير الآخر – القارئ، كما أنا حريص على احترام عقله ووقته، ولا يقلقني مزاج خالتي الحداثة سواء ابتعدت عني أم اقتربت مني، رغم أنني أول صحفي يذيل مقالاته ببريد إلكتروني في تاريخ سورية.
*أنت من القلة الذين كتبوا زاوية يومية، «عقل في الكف» في «تشرين».. ما الذي أعطتك إياه هذه التجربة؟
عندما يكون الامتحان مستمراً يكف عن كونه امتحاناً ويصبح أسلوب حياة، وقد أعطتني الصحافة اليومية شرفة أطل من خلالها على الحياة وأتفاعل معها، أهم ما أعطتني إياه هذه التجربة هو الفرصة لمحاربة الظلم وخدمة المواطن المقهور الذي لاظهر له. وأنا فخور بأنني لم أقبل هدية أو دعوة لا قبل ولا أثناء ولا بعد الكتابة، أي أنني لم أركب على كلمتي ولم أحلبها، بل كنت ولا أزال أحملها على كتفي، واعتبرها أمانة لذوي الحاجات عندي.
* انتهيت مؤخراً من كتابة سيناريو مسلسل يتناول حياة الشاعر الراحل محمود درويش، وقد رافقت خبر التحضير للمسلسل حملة شعواء تطالب بالتوقف عن المشروع.. لماذا استمررت به؟ وهل تعتقد أن حياة درويش تصلح للدراما خصوصاً وأنها غير معروفة؟
لو لم تكن حياة الشاعر الكبير محمود درويش تصلح للدراما لما كنت قد أقدمت على كتابة مسلسل «شوكة في القلب» عنه.
لقد عاش محمود درويش حياته في كل مراحلها كإنسان، وكان يعتبر الإنسان قيمة عليا، بل إنه حرص حتى على أنسنة العدو، فقد قال رداً على انتقاد بعض القراء لقصيدته «جندي يحلم بزنابق بيضاء» التي كتبها مباشرةً بعد حرب 67 : «سأواصل أنسنة الجميع حتى العدو.. كان الأستاذ الأول الذي علمني العبرية يهودياً، كان الحب الأول في حياتي مع فتاة يهودية، كان القاضي الأول الذي زج بي في السجن امرأة يهودية، ولذا فإنني منذ البداية، لم أر اليهود أما شياطين أو ملائكة بل كائنات إنسانية».
عاش درويش كإنسان ومات كإنسان، وحارب التعصب بكل قواه حتى آخر نفس، رغم ذلك يؤسفني أن بعض المتعصبين له يحاولون تجريده من إنسانيته وتحويله الى صنم يعبد! وهؤلاء المتعصبون لمحمود درويش يلتقون مع المتعصبين ضده بحيث يدمر كل طرف مالم يستطع الآخر تدميره!
صحيح أن الشاعر الكبير درويش كان شديد التكتم بشأن حياته الشخصية، لكنني، من خلال حبي له ولإبداعه، استطعت أن أحلل شعره وأن أقاطعه مع كتاباته ولقاءاته وكتابات أصدقائه عنه وعن تجربته الابداعية، فحصلت بالنتيجة على كم هائل من التفاصيل.
* تناولت سابقاً شخصية صلاح الدين الأيوبي بأسلوب جديد على الدراما السورية وبمحاولة اختلاف لم تحقق جماهيرية كبيرة، هل ستنطلق في نقاشك لدرويش من فن حداثة الطرح؟؟
كان الشاعر الكبير درويش يعتقد أن الحداثة في الوطن العربي لم تتحقق إلا في مجال الشعر وفي عمل أجهزة الأمن، وباعتبار محمود درويش من أبرز رجال الحداثة الشعرية إن لم يكن أبرزهم، فمن الطبيعي أن تكون صيغة المسلسل المستلهم من حياته أقرب الى الحداثة، لست أريد الحديث عن تفاصيل المسلسل، لكنني أعد المشاهد العربي بعمل مليء بالمعلومات الموثقة ضمن صيغ درامية تحاول أن ترتقي بالدراما التلفزيونية الى مستوى الفن السينمائي العظيم!
* هل ترى الكادر القائم من ممثل ومخرج ومنتج لنص عن درويش مناسباً؟
-حتى هذه اللحظة لم تتخذ قرارات نهائية بشأن الكادر الفني لمسلسل «شوكة في القلب».
*هذا التنوع الذي تحققه بين القصة والمقال والدراما هل تجمعه رسالة واحدة... ما رسالة حسن م. يوسف من خلال كل هذا؟
-سبق لي عندما كتبت شارة مسلسل «نهاية رجل شجاع» أن عبرت عن رسالتي. قلت: «الحب هو السر، والعمر تذكار»، وما أزال عند كلمتي.