قبل أن تضيع الفرصة الأخيرة
فجأة تفجر موضوع السماح بسفر الأمريكيين المتهمين في قضية تمويل الجمعيات غير المرخص لها بالعمل في مصر.
فجأة تفجر موضوع السماح بسفر الأمريكيين المتهمين في قضية تمويل الجمعيات غير المرخص لها بالعمل في مصر.
يتوجس المرء خيفةً من حالة الاحتقان والاستقطاب الداخلي التي تعاني منها مصر الثورة بسبب هستيريا الغرور، والزهو، والاستعلاء، وتعظيم الذات التي انتابت التيارات الإسلامية؛ علماً بأن جماعة الإخوان المسلمين كانت في الخفاء حتى مرحلة متقدمة من الثورة، بينما أفتى شيوخ السلفية بعدم الخروج على نظام مبارك واعتبروا ثورة يناير فتنة! وأهم مظاهر تلك الحالة هو الخلاف الذي يدور حول المبادئ فوق الدستورية، والمبادئ الحاكمة للدستور، التي اتفق عليها ممثلو القوى والأحزاب السياسية، وعدد من مرشحي الرئاسة، ورفضتها تلك التيارات.
كيف كان جيل الثمانينيات في مصر يناضل بدون الفيس بوك وبدون وسائل الاتصال الحديثة التي استخدمها الشباب في الدعوة لثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك؟..
بعد إلحاق الهزيمة بخط الدفاع الأول عن النظام القديم بهزيمة قوات الشرطة أمام صلابة الثوار والشهداء والجرحى يوم 28 يناير، نزل الجيش إلى كل المدن المصرية، ونجح في حماية الثوار إلى حد بعيد، وأعلن انحيازه للثورة.. لكن فجأة وعقب هذا الحدث الكبير، تحولت جميع قوى الثورة المضادة تباعاً إلى ثوريين! فقد أدركوا أن سقوط النظام بات وشيكاً.
اقتراح
أقترح على المسؤولين في الشركات المختلفة وأصحاب العمل، أن يعطوا إجازة مفتوحة، في زمن الثورات. هيك هيك ما حدا عم بشتغل!
خلص استطلاع للرأي حديث أجرته مؤسسة «You Gov» البريطانية إلى أن 67% من أفراد عينة بحثية عشوائية من المصريين يريدون توقيع عقوبة الإعدام على الرئيس السابق حسنى مبارك؛ لارتكابه «عدة جرائم بحق الشعب» مقابل 22% فقط يعارضون ذلك.
اتفق عدد من شباب ثورة يناير على أن ظهور الرئيس المخلوع حسني مبارك وأبنائه، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه المتهمين في قتل الثوار، وهو يحاكم علنياً أمام شاشات التلفزيون، هو نتيجة وانتصار لاعتصام 8 يوليو الذي عارضه الكثيرون، الذين اتهموا المعتصمين في ميدان التحرير بالبلطجية.
أخيرا بدأت المحاكمة التي طال انتظارها عن تهم قتل الثوار والتربح وتصدير الغاز لإسرائيل. واستجابت السلطات لمطالب الجماهير بأن تكون المحاكمة علنية ومذاعة ليتمكن الشعب من متابعتها، وأن تكون في القاهرة وليس في شرم الشيخ بالنسبة للمتهم مبارك. وهكذا طويت صفحة الشكوك حول جدية المحاكمة وحتى إجرائها، وهي الشكوك التي تراكمت لدى المواطنين على مدى أربعين عاماً من حكم السادات ومبارك. وقوبلت هذه الخطوة بارتياح جماهيري، ولكنها لا تخلو تماماً من تخوفات عبرت عنها الجماهير العادية بضرورة توقيع أقصى العقوبات على المتهمين.
الصادم في مليونية الجمعة الماضية (29/7/2011)، التي كان مقدراً لها أن تكون جمعة توحيد الصف، لم يكن انتهاؤها بانهيار وحدة الجماعة الوطنية، وانسحاب 34 حزباً وحركة من ميدان التحرير يومها، ولا كان في اللافتات التي رُفعت، والهتافات التي تعالت منادية «الشعب يريد تطبيق شرع الله» أو «الشريعة بدمائنا» أو «ارفع راسك فوق أنت مسلم» أو «لا إله إلا الله.. العلماني عدو الله»..
المشهد المصري الآن يعيش مرحلة ارتباكات وتداخلات وتقاطعات تجري كلها في ظروف ثورة تفجرت دون طليعة ثورية تقودها، وذلك بسبب التجريف السياسي الذي جرى نتيجة لسياسات وممارسات النظام القديم، والتي قلصت لأقصى حد دائرة من تمسكوا بالنهج الثوري، ولعبت حتى قوى اليسار من هذه النخبة دوراً هائلاً في حصار القوى الثورية. وهو ما أدى إلى المزيد من تشرذمها. والدفع بجماعات منها إلى مسارب جانبية بفعل المناخ السائد. وساعد ذلك على صياغة المشهد الراهن المتمثل في قفز جميع القوى المضادة للثورة لركوب قمة الموجة الثورية العاتية باعتبارهم ثوريين.