حمدي قنديل حمدي قنديل

بلاغ إلى المجلس العسكري نطلب التحقيق في رفع الأعلام السعودية

الصادم في مليونية الجمعة الماضية (29/7/2011)، التي كان مقدراً لها أن تكون جمعة توحيد الصف، لم يكن انتهاؤها بانهيار وحدة الجماعة الوطنية، وانسحاب 34 حزباً وحركة من ميدان التحرير يومها، ولا كان في اللافتات التي رُفعت، والهتافات التي تعالت منادية «الشعب يريد تطبيق شرع الله» أو «الشريعة بدمائنا» أو «ارفع راسك فوق أنت مسلم» أو «لا إله إلا الله.. العلماني عدو الله»..

ولا كان في طوفان السلفيين الذين بدأوا يتوافدون من الأقاليم في حملة بمئات الأتوبيسات قبل الموعد بثلاثة أيام حتى يحكموا سلفاً السيطرة على الساحة واستعراض الاستعلاء والقوة.. ولا كان في هيئة الزاحفين على الميدان التي أوحت بأننا في قندهار وليس في القاهرة، ولا كان في الوجوه التي لم يعرفها التحرير من قبل، والتي أثار ظهورها السؤال: أين كان هؤلاء القوم أيام الثورة؟ أو ما الذي كان يمكن للشهداء أن يقولوه لو فوجئوا بهذه الوجوه اليوم؟ ولا كان في الميكروفونات التي دوّت بالأدعية الدينية كأنك في يوم عرفة أو في مولد السيد البدوي ولست في تظاهرة سياسية، ولا كان في إيقاظ فتنة الانتخابات والدستور، أيهما أولاً، ولا كان حتى في رفع صور بن لادن وإلى جانبها شعارات «يا أوباما يا أوباما.. كلنا هنا أسامة»، أو في التوافق المريب في التوقيت بين غزوة الميدان في القاهرة وغزوة الإمارة الإسلامية في العريش. لم يكن الصادم يوم الجمعة أياً من هذا كله. الذي صدم مصر كلها يومها هو رفع الأعلام السعودية في الميدان، في الوقت الذي لاحظ فيه الناس جميعاً أن هذه أول جمعة يرفع فيها أقل عدد من الأعلام المصرية منذ اندلاع الثورة. أثار هذا المشهد الريب حول الصلة بين تلك الفئة التي رفعت الأعلام الخضراء وبين المملكة، وحول مدى تغلغل النفوذ الوهابي في التيار الديني في مصر، وحول علاقة شيوخ السعودية بغلاة المتطرفين لدينا، بل حول الضغوط التي تمارسها السعودية منذ خرجت مصر على نظام مبارك. كل هذه أمور أقلقت المصريين في الفترة الأخيرة، وأدت إلى مظاهرة أمام السفارة السعودية في القاهرة يوم 10 مايو الماضي، تلتها وقفات أخرى لم تحتج فقط على الممارسات السلفية ذات التمويل الوهابي داخل مصر، ولكنها كشفت عن انزعاج شعبي تنامى عبر سنوات من اعتقال عديد من المصريين في سجون السعودية، ومن نظام الكفيل، ومن فتاوى خرجت من السعودية تحرم معارضة أولي الأمر أو تنفي الشهادة عن أبطال الثورة، ومن رسالة مبارك من خلال قناة «العربية» السعودية التي توعد فيها خصومه، ومن حقائب حسين سالم التي ضبطت في مطار القاهرة وهى مهربة تحت اسم ابنة رئيس المخابرات السعودية، ومن ظنون حول تورط السعودية في إخفاء جانب من ثروة مبارك وأسرته وأتباعه في بنوكها. اليوم لابد أن يُفتح هذا الملف بالشفافية الواجبة، خاصة ونحن مقبلون على محاكمة الطاغية(..) الكل يعرف أن السلطات السعودية تتفجر غضباً من إجراء هذه المحاكمة. وبالأمس فقط قال الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك إن المملكة ستفعل كل ما في وسعها للحيلولة دون انعقادها، ويعرف الكل أيضاً أن تأييد السعودية لمبارك لم يكن خافياً طوال أيام الثورة.. وقتها كان هناك أكثر من تصريح لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عبّر فيها عن استهجانه الشديد واستنكاره البالغ للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي المصري.. وفي 9 فبراير بثت وكالات الأنباء خبر مطالبة السعودية والإمارات والأردن للولايات المتحدة بألا تضغط على مبارك حتى يتنازل عن السلطة.. وفي اتصال بين ملك السعودية وأوباما يوم 11 فبراير، آخر أيام الطاغية في الحكم، عاد الملك يحذر الرئيس الأمريكي من مواصلة الضغط على مبارك، وقال إنه يتوجب السماح له بالإشراف على العملية الانتقالية في البلاد، بل هدد بدعم مصر مبارك مالياً إذا أوقفت واشنطن مساعدتها السنوية للقاهرة، وفي هذا اليوم أيضاً تردد أن السعودية عرضت على مبارك أن تستضيفه على أراضيها مع رئيس تونس الهارب. وبعد الثورة قام «الفيصل» بزيارة خاطفة إلى القاهرة في 12 أبريل، اجتمع خلالها مع المشير طنطاوي ومع الدكتور عصام شرف، واكتفت وكالة أنباء الشرق الأوسط بعدها بالقول إن المباحثات تناولت «أوجه التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى استعراض مختلف الأحداث على الصعيدين الإقليمي والعالمي»، إلا أن وكالة «يونايتد برس» أشارت إلى «تقارير محلية تفيد أن السعودية هددت بسحب الاستثمارات السعودية في مصر وطرد العمالة المصرية من السعودية إذا ما خضع الرئيس المخلوع للمحاكمة». بعد غد سنعرف إذا ما كان الطاغية سيمثل أمام المحكمة أم لا.. وإذا ما غاب فهل سيغيب بسبب انهيار صحته فعلاً أم أن وراء الغياب ما وراءه، لكن مهما كان الأمر فالسعودية ليست سعيدة أبداً بـ3 أغسطس، الذي ترى فيه مشهداً لحساب حاكم وأسرته تخشى تصديره خارج الحدود، بل هي في حقيقة الأمر ناقمة على 25 يناير، مشهد الثورة الذي يذكرها بثورة يوليو التي تطاير شررها في أنحاء الوطن العربي كله، وزادت نقمتها على يناير منذ أعلن نبيل العربي، عندما كان وزيراً للخارجية، عن توجهات جديدة في السياسة الخارجية المصرية، حتى وإن كانت متواضعة، بدأت بإشارات الود الخجولة تجاه إيران، وتأكد الانزعاج السعودي عندما قادت المملكة دول الخليج لدعوة المغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي حتى يتحول إلى ما يشبه اتحاداً للملكيات العربية يحميها من الثورات ومن ثورة 25 يناير خاصة. إلى أي حد هناك ما يربط بين هذا كله وبين ما حدث في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي؟ هذا هو السؤال الذي يثيره رفع الأعلام السعودية في مليونية الجمعة. في لقائه مع قادة وضباط الجيش الثالث الميداني اتهم المشير طنطاوي جهات خارجية بدفع البعض في مصر في اتجاهات خاطئة، وقال إن «هناك أناساً من الخارج تغذي وتعمل مشروعات محددة ينفذها بعض الأفراد في الداخل»، وقد فُهم وقتها أن الكلام موجه إلى شباب الثورة، لكن ألا يمكن أن ينطبق الكلام نفسه على الذين رفعوا رايات السعودية في الميدان؟ وإذا كان اللواء حسن الرويني، عضو المجلس العسكري، قد اتهم حركة كفاية بأنها غير مصرية، فبماذا يمكن أن يصف اليوم من يرفعون أعلام السعودية؟ وإذا كانت اتهاماته قد طالت أيضاً حركة 6 أبريل بدعوى أنها تمول من الخارج، وأن أعضاءها تلقوا تدريباً في صربيا، وأن شعارها «اليد المقلوبة» هو نفس شعار الحركة الصربية، فهل يسكت اليوم على أولئك الذين يتخذون من علم السعودية شعاراً لهم، ويرفعونه في ميادين التظاهر؟ بقدر ما نرفض الاتهام المرسل بقدر ما نطلب التحقيق الناجز، وقد كنت أود أن أقدم بلاغاً بهذا الشأن للنائب العام، لكنه لما كانت القوى الوطنية لا تأتمن النائب العام فليس أمامي سوى أن أتوجه به إلى المجلس العسكري.