إبراهيم البدراوي - القاهرة إبراهيم البدراوي - القاهرة

محاكمة مبارك وولديه ووزير داخليته وعدد من كبار معاونيه.. ملاحظات أولية

أخيرا بدأت المحاكمة التي طال انتظارها عن تهم قتل الثوار والتربح وتصدير الغاز لإسرائيل. واستجابت السلطات لمطالب الجماهير بأن تكون المحاكمة علنية ومذاعة ليتمكن الشعب من متابعتها، وأن تكون في القاهرة وليس في شرم الشيخ بالنسبة للمتهم مبارك. وهكذا طويت صفحة الشكوك حول جدية المحاكمة وحتى إجرائها، وهي الشكوك التي تراكمت لدى المواطنين على مدى أربعين عاماً من حكم السادات ومبارك. وقوبلت هذه الخطوة بارتياح جماهيري، ولكنها لا تخلو تماماً من تخوفات عبرت عنها الجماهير العادية بضرورة توقيع أقصى العقوبات على المتهمين.

المشهد:

دخل مبارك وولداه وجميع المتهمين إلى قفص الاتهام. كان وزير الداخلية الذي سبق صدور حكم ضده بملابس المحكوم عليهم زرقاء اللون. أما مبارك وباقي المتهمين فكانوا بملابس المتهمين تحت المحاكمة بيضاء اللون، وذلك باستثناء اثنين من مساعدي وزير الداخلية مفرج عنهم وعلى ذمة المحاكمة حضروا الجلسة.

أعطت المحكمة الفرصة لهيئة الدفاع عن المتهمين وهم من كبار المحامين، وعلى رأسهم محامي مبارك وولديه ذو الشهرة الواسعة لمرافعاته ودفاعه «المجيد» عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وغيره من أمثاله «يالها من مصادفة!!». حيث أعطى هؤلاء الفرصة للمطالبات الكثيرة والصعبة للغاية. كما أعطيت الفرصة للمحامين الموكلين من أسر الشهداء والجرحى لتقديم مطالبهم.

كانت المفاجأة الأهم هي حضور اثنبن من مستشاري هيئة قضايا الدولة حيث تقدموا بطلب تعويض مؤقت قدره مليار جنيه مصري تدفع من أموال المتهمين تعويضاً عن الخسائر الهائلة في الممتلكات الحكومية والخاصة بسبب ما ارتكبه المتهمون خلال الأيام الأولى للثورة وأدى إلى هذه الخسائر، وذلك لحين الانتهاء من تقدير قيمة الخسائر بشكل دقيق ونهائي.

ملاحظات على الجلسة:

أدار المستشار رئيس المحكمة هذه الجلسة بكفاءة وحسم وهو ما أسفر عن حالة ارتياح عام، خاصة وأنه يتمتع بسمعة طيبة.

إن هيئة الدفاع عن المتهمين هيئة قوية ومن كبار المحامين، وهذا أمر طبيعي خاصة إذا ما علمنا برقم التكلفة غير المسبوق وهو 200 مليون جنيه (مائتا مليون جنيه) للدفاع عن أسرة مبارك.

إن هيئة الإدعاء الموكلة من أسر الشهداء والجرحى ضعيفة لحد كبير، وتخلو من مشاهير المحامين، كما تخلو من الأعضاء المشهورين في مجلس نقابة المحامين أو النقباء السابقين بحجة عزل النقيب السابق المنتمي إلى حزب السلطة المنحل، وبالتالي عدم وجود مجلس للنقابة حيث ستجري انتخابات مجلس جديد. كما خلت من كبار المحامين من الأحزاب القديمة والجديدة اليمينية أو اليسارية، أو من المحامين أصحاب جمعيات حقوق الإنسان المتمولين، حيث كان كل هؤلاء يملؤون الدنيا ضجيجاً قبل الثورة وحتى الآن.

لم يجلب حضور مبارك إلى قفص الاتهام على سرير طبي أي تعاطف جماهيري معه، بعكس المقصود من هذا المشهد.

إن إنكار المتهمين مبارك وولديه للتهم التي وجهتها إليهم النيابة في الجلسة (القتل والتربح) قد أثارت السخرية والغضب عليهم. 

توقعات المستقبل:

يحمل المستقبل بالنسبة لهذه المحاكمات مخاطر تبدو ماثلة، لها تبعات ونتائج هائلة، وذلك رغم الثقة في المحكمة.

إن المشهد عبر عن احتمال أن تطول هذه المحاكمة بشكل لا تحتمله الجماهير. وكما هي العادة فإن المحامين عن المتهمين يتعمدون منذ البداية هذه الإطالة، فقد طالب كبير هؤلاء المحامين سماع شهادة أكثر من 1600 شاهد، وهذا يتطلب سماعهم ومناقشتهم بما يفضي إلى طول فترة المحاكمة لوقت غير معلوم.

إن حصر الاتهامات في قتل المتظاهرين والتربح يعبر عن محدودية الاتهامات بالنسبة لما ارتكبه المتهمون من جرائم من ناحية، وكون المحكمة محكمة عادية برغم نزاهة قضاتها من ناحية ثانية، والإمكانيات الهائلة لدى دفاع المتهمين ودفوعاتهم القانونية والدخول من ثغرات في القوانين أو الإجراءات... الخ، يمكن أن يفضي إلى البراءة بالنسبة للبعض وأحكام هزيلة بالنسبة للبعض الآخر من ناحية ثالثة. وهذا ما يسوق إلى انفجار شعبي مختلف كيفياً عن ثورة 25 يناير السلمية حتى الآن.

لذلك فقد بدأ نزوع باتجاه آخر في النمو، لا علاقة له بنزاهة المحكمة التي تتولى محاكمة المتهمين. وهو محاكمة هؤلاء المتهمين وغيرهم أمام محاكم ثورة، يمكن أن تكون من القضاة أنفسهم، وبتهمة الخيانة العظمى. إذ أن المحاكمة ليست لقتلة ولصوص عاديين، ولكنها يجب أن تكون محاكمة لنظام تسبب في أضرار هائلة للوطن واستقلالية القرار الوطني وللأمن القومي, وأحدث دماراً هائلاً للشعب وكرامته الوطنية، وقام بتخريب ودمار هائل للاقتصاد، وللحياة الاجتماعية، وتجريف غير مسبوق للثروة الوطنية أسفر عن تفاوت طبقي لا مثيل له، ونزول أكثر من نصف المصريين إلى ما تحت خط الفقر، وقتل الملايين مرضاً بالمبيدات المسرطنة وبكافة الأمراض وبالجوع، وقام بكنس كل الحقوق الاجتماعية، وجرف الحياة السياسية، وعزل مصر عن محيطها العربي وعن حلفائها التاريخيين وعن كل قوى التحرر، وحولها إلى تابع ذليل للامبريالية والصهيونية حيث أصبحت مستباحة لطواغيت المال واللصوص الأجانب. ومارس استبداداً وطغياناً لا مثيل لعنفه وقساوته.

نظام كهذا يجب أن يحاكم كنظام، وأن يحاكم رموزه وغلمانه طبقة اللصوص الخونة. يجب أن يحاكم كل هؤلاء بتهمة الخيانة العظمى.

ذلك أن الحجة التي تساق لمحاكمتهم بهذه الطريقة، هي استرداد الأموال المسروقة من الخارج، وهو ما لن يحدث. فلن تعيد بلدان الغرب الامبريالية هذه الأموال. لذا تجب مصادرة ممتلكات وأموال طبقة اللصوص داخل الوطن فذلك هو الممكن الوحيد.