افتتاحية قاسيون 1129: مرة أخرى حول 2254 وليست آخر مرة
خلال الأسبوعين الماضيين، وبعد نشر المقال الافتتاحي لقاسيون في عددها 1127 بتاريخ 19 حزيران، والذي حمل عنوان: «لاستعادة وتعزيز السيادة الوطنية: 2254»، انتشرت عدة مقالات وآراء للرد على هذا المقال، سواء منها التي صرّحت بأنها ترد عليه، أو تلك التي لم تصرح.
الهجوم على القرار 2254 من أوساط مختلفة في النظام والمعارضة على حدٍ سواء، ليس بالأمر الجديد. الجديد هو الارتفاع النسبي لحدة وكثافة هذا الهجوم، وبدء انتقاله من المستويات غير الرسمية إلى المستويات شبه الرسمية؛ الأمر الذي ينبئ بأنّ المتشددين يحاولون التحضير تدريجياً لمواقف أكثر صراحةً في العمل ضد الحل السياسي، وانطلاقاً بالدرجة الأولى من مصالحهم الضيقة، وكالعادة تحت ستار «العمل ضد العدوان الخارجي».
يستند مهاجمو القرار إلى فكرة واحدة يكررونها بأشكال مختلفة، وهي القول بأنّ القرار 2254 هو «نتاجٌ غربي»، و«نتاجٌ معادٍ لسورية وللشعب السوري»، وأنّ «الدول الحليفة للشعب السوري قد قبلت به مضطرة في مرحلة سابقة، ووفقاً لتوازن سابق، وأنّه قد آن الأوان لتجاوزه». وتنزلق من أفواه وأقلام هؤلاء المهاجمين، وفي معرض هجومهم على 2254، حقيقة موقفهم حين يصلون حد الهجوم المباشر على فكرة الحل السياسي ككل، وليس على القرار 2254 فحسب؛ وهم محقون في نقطة واحدة، هي أنّ الحل السياسي والقرار 2254 قد باتا وجهين لعملة واحدة، وتعبيرين عن جوهر واحد.
من الضروري التذكير، وباختصار، بحقائق مرت عليها افتتاحية قاسيون المشار إليها آنفاً، مع إضافة بعض الأفكار إليها:
أولاً: محاولة التعامل مع قرارات مجلس الأمن بوصفها «قرارات فوق وطنية» وبالتالي «ضد المصلحة الوطنية بالضرورة»، هي محاولة بائسة للهروب من استحقاقات التغيير الوطنية؛ فهل ينبغي مثلاً: رفض 242 و338 لأنهما قراران «فوق وطنيين»؟!
ثانياً: لأنّ الصراعات في العالم بأسره، لم تعد صراعات محلية منذ مطلع القرن العشرين، فإنّ قرارات المؤسسات الدولية، وسلوكها على العموم، باتت جزءاً من الصراع المحلي والإقليمي لنيل الاستقلال وتثبيته. ولا بد من تذكر الفيتو الأول في مجلس الأمن الدولي الذي كان فيتو سوفييتياً وكان دفاعاً عن استقلال سورية عن الاحتلال الفرنسي دون السماح لفرنسا بأخذ أية امتيازات مقابل جلاء قواتها، وهو ما كان...
ثالثاً: في حينه، كان بين النخب السورية من يقبل بالجلاء مقابل امتيازات لفرنسا، فهل نصف موقف الاتحاد السوفييتي وقتها بأنه «أكثر وطنية» من موقف بعض النخب السورية؟ المسألة ليست كذلك بالطبع، وجوهرها، هو أنّ المصالح الاقتصادية للطبقات الناهبة وطوال القرن الماضي وحتى الآن، قد كانت مرتبطة إلى هذه الدرجة أو تلك مع الغرب. واليوم نحن أمام الأمر نفسه من حيث الجوهر؛ فموقف الغرب الحقيقي والعملي من 2254 هو ذاته موقف هذه النخب، أي رفض تنفيذه، و«المناورة» عبر الاعتراف اللفظي به، أو عبر عدم رفضه علناً.
رابعاً: جوهر القرار 2254، إضافة إلى التأكيد على وحدة سورية وسيادتها وعلى محاربة الإرهاب، هو حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وعبر حل سياسي، وعبر حوار بين السوريين. ورفض هذا القرار، أياً تكن الذرائع التي يجري سوقها لهذا الرفض، يعني شيئاً واحداً، هو التمسك بالمصالح الضيقة على حساب مصالح الأغلبية الساحقة من السوريين.
خامساً: ما يحدد طبيعة النظام السياسي في أي بلد من البلدان، هو توزيع الثروة في ذلك البلد. في سورية، وقبل 2011 كان 75% من الثروة يذهب إلى 20% من السكان... الأرقام الآن أشد جوراً وظلماً، حيث يذهب أكثر من 85% من الثروة لأقل من 10% من السكان. وإذاً فإنّ القرار الحقيقي في سورية هو بيد هؤلاء الـ 10% وهو لصالحهم وضد مصلحة 90% من السوريين. دون تغيير جذري لهذا التوزيع، لن يكون هنالك استقرار في سورية، بل إنّ وجود سورية نفسه ووحدتها مهددان. والعمل ضد الحل السياسي وضد 2254 تحت أي ذريعة من الذرائع، يصب في الحقيقة في رفض النخب الناهبة لإعادة توزيع الثروة، ويصب ضد المصلحة الوطنية لسورية وللشعب السوري...
سادساً: نمط توزيع الثروة الداخلي يرتبط في نهاية المطاف بطبيعة النظام السياسي وبتموضعه الدولي. الحل السياسي في سورية عبر 2254 هو أحد الأدوات الضرورية لإعادة تموضع سورية في الخارطة العالمية، بما في ذلك اقتصادياً، بالضد من المصالح الغربية والصهيونية؛ ليس فقط لفظياً، بل فعلياً عبر القطيعة مع الغرب مالياً، أي مع الدولار واليورو، وعبر الانضمام للقطب المالي الجديد (بريكس)، وهو ما تعرقله بشكل نشط وواضح نخب الفساد الكبير، وستظل تعرقله ما استطاعت لذلك سبيلا...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1129