افتتاحية قاسيون 1127: لاستعادة وتعزيز السيادة الوطنية: 2254
تواصل جهات متشددة ضمن الأطراف السورية مهاجمة القرار 2254 بشتى السبل والذرائع، وبطرق مباشرة وأخرى ملتوية، بل ومتناقضة كل التناقض؛ فتارة نجد من يقول: إنّ القرار أقل بكثير من المطلوب، ولذا يجب رفضه، وتارة أخرى: إنه قرارُ مجلس أمنٍ دولي، ولذا هو قرار فوق وطني، وبالذات غربي المنشأ، وبالتالي، هو ضد الوطن وضد مصلحته! وتارة ثالثة: إنّ القرار قد تم تنفيذه، وانتهى الأمر! ولا يخلو الأمر طبعاً ممن يقولون ببعضٍ من هذه الآراء انطلاقاً من نوايا صادقة مصحوبة للأسف بجهل واضح في قراءة الواقع والتاريخ.
لوضع الأمور في نصابها لا بد من توضيح ما يلي:
أولاً: إنّ سلوك المؤسسات الدولية (أمم متحدة، مجلس أمن، إلخ) بتمرير القرارات أو منعها، يعكس في كل لحظة التوازن الدولي وتطوراته. والتعامل مع هذه القرارات ينبغي أن يأخذ بالاعتبار هذه الحقيقة، ومدى توافقها مع مصلحة البلاد والشعب؛ مثلاً: هل علينا رفض قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 اللذين يقولان بانسحاب «إسرائيل» من الأراضي التي احتلتها عام 1967 لأنّ الغرب قد وافق عليهما؟!
ثانياً: ضمن فهم الميزان الدولي وتحولاته، ينبغي التذكير بأنّ 2254 جاء بعد سلسلة من الفيتوات الروسية والروسية الصينية بدءاً من 2011 بخصوص سورية. وإقراره نهاية 2015 كان تعبيراً عن مرحلة جديدة في تطور ميزان القوى الدولي ضد المصلحة الغربية والأمريكية- الصهيونية خاصة؛ أي تعبيراً عن الانتقال من مجرد منع مشاريع الغرب من المرور في مجلس الأمن، إلى فرض مشاريع تصب ضد مصلحة الغرب، وفي مصلحة الشعوب، و2254 ومعه اتفاقات مينسك هما المثالان الافتتاحيان على هذا النوع من القرارات.
ثالثاً: إذا كان أول فيتو روسي بخصوص سورية عام 2011 قد شكّل افتتاحاً لمرحلة تاريخية جديدة؛ فإنه يعيد إلى الذاكرة الوطنية السورية الفيتو الأول على الإطلاق في مجلس الأمن الدولي منذ تأسيسه، والذي كان فيتو سوفييتي ويخص سورية أيضاً، وكان ضد حصول المستعمر الفرنسي على امتيازاتٍ مقابل جلائه الكامل عن سورية. فيتو 2011 هو أيضاً جاء ضد محاولات الغرب العودة لاحتلال سورية عملياً تحت شعار «حماية المدنيين» على الطريقة التي احتل بها ليبيا ودمرها.
رابعاً: عودة للقرار 2254، فالذي دفع نحوه وساهم في صياغته بما في ذلك بتفاصيله الدقيقة هو الجانب الروسي بالدرجة الأولى. وموافقة الغرب عليه ضمن مجلس الأمن هي من حيث المبدأ مماثلة تماماً لموافقته على اتفاقات مينسك بخصوص أوكرانيا، والتي عاد الغربيون للاعتراف علناً بأنهم لم يوافقوا عليها من أجل تطبيقها، بل نفاقاً واحتيالاً، بغرض التجهيز للحرب ضد روسيا... والأمر هذا هو هو بما يخص 2254؛ فالموافقة الغربية والإصرار اللفظي على القرار لا يعني إطلاقاً أن الغرب يؤيد تطبيقه فعلاً.
خامساً: أكثر من ذلك، فإنّ إسراف الغرب اللفظي والمنافق في التمسك بالقرار 2254، لا يستهدف فقط الاحتيال لتمرير ما يريده، بل وإنه منذ اجتماع طهران تحديداً، بات هذا الإسراف يستهدف منع دول أستانا التي ارتفع مستوى تنسيقها مؤخراً مع الدول العربية الأساسية، من تطبيق القرار من طرف واحد، أي دون إشراك الغرب؛ لأنّ الغرب أثبت أنّ ما يريده في سورية هو «تحويلها إلى مستنقع» واستنزافها واستخدام الفوضى فيها وفي الإقليم، كأداة في محاربة الخصوم الدوليين الصاعدين الذين يهددون استمرار نظام البلطجة الأمريكي- الغربي.
بالخلاصة، فإنّ القرار 2254 قد تحول إلى ممر إجباري لاستعادة وتعزيز السيادة الوطنية السورية، ورفض تنفيذه كاملاً، بشكل صريح أو ملتوٍ، وأياً تكن الذرائع التي يجري سوقها، يعني عملياً وواقعياً، استمرار وتعمق الأزمة السورية أكثر وأكثر، ويعني بالملموس الانحياز للمصالح الضيقة التافهة مقارنة بمصلحة سورية والسوريين، ولكن أخطر من ذلك كله، فإنّ هذا الرفض يعني تقديم خدمة مباشرة لمخططات الغرب والصهاينة بتصفية سورية نهائياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1127