افتتاحية قاسيون 1114: العدو الأساسي والفرص الضائعة
في خضم الصخب السياسي والدبلوماسي المحيط بسورية، من الحديث عن احتمالات تقارب عربي، إلى التسوية السورية- التركية وما يقف بوجهها من عراقيل، إلى الألاعيب الغربية عبر سياسات «تغيير سلوك النظام»، وما تتضمنه من تخفيف عقوبات تارةً، ومن تنشيط لداعش ومحاولات لـ «سورنة» جبهة النصرة تارةً أخرى، وغيرها من الأحداث؛ فإنّ هنالك محاولات واضحةً للتعمية والتضليل عن العدو الأساسي لسورية وللشعب السوري، لمصلحة الحديث عن «تكتيكات سياسية» هنا وهناك.
العدو الأساسي لسورية والشعب السوري كان وما يزال الكيان الصهيوني ومِنْ ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، والموقف من أية مبادرة أو سلوك إقليمي أو دولي اتجاه سورية، ينبغي أن يُبنى بالدرجة الأولى على أساس الموقف من هذا العدو.
فلنتذكر، أنّ الأمريكان والصهاينة قد استثمروا طويلاً في قسم شعوب المنطقة بين «عرب» و«فرس»، وبين «سنة» و«شيعة»، وصولاً إلى محاولات من طراز «الناتو العربي» لبناء تحالفٍ بين العرب والكيان الصهيوني ضد إيران!
أي إنّ شيطنة إيران كانت الغاية منها دائماً مزدوجة، أولاً: تمديد وتعميق الفوضى الهدامة الأمريكية. وثانياً: تأمين الكيان الصهيوني عبر محاولة إزاحة الوعي العام نحو عدوٍ مفترضٍ بديل هو إيران. كذلك الأمر اليوم مع تركيا، ومحاولات استخدامها بديلاً لإيران، وخاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني بالرعاية الصينية.
لا شك أن بيننا وبين الأتراك مشكلات عديدة تحتاج إلى حل، ولكنها بالتأكيد قابلة للحل إذا ما توفرت الإرادة السياسية لذلك. بالمقابل، فإنّ «مشكلتنا» مع الكيان الصهيوني غير قابلة للحل دون إنهاء الأساس العنصري الصهيوني لهذا الكيان؛ أي إنّ تناقضنا معه هو تناقض تناحري.
بهذا المعنى، فإنّ كلّ تأخير في التسوية السورية التركية هو فرصة ضائعة لإغلاق الطريق على العمل الصهيوني المباشر وغير المباشر في سورية، العدواني و«الدبلوماسي».
وبهذا المعنى، فإنّ الرهانات التي يجري وضعها على دولٍ قادت عملية التطبيع المنكرة مع الكيان الصهيوني هي رهانات خاسرة بالضرورة، وليست رهانات خاسرة بالمعنى السياسي فحسب، بل وبالمعنى الوطني أيضاً.
إنّ التناقض واضحٌ تماماً بين الاتجاه الذي تعمل عليه مجموعة أستانا، وبين الاتجاه الذي يعمل عليه الأمريكي والصهيوني، ويستعين في سياقه ببعض الأطراف العربية.
الاتجاه الأول: هدفه ومصلحته الوصول إلى استقرار حقيقي في سورية موحدة أرضاً وشعباً وعبر حل سياسي شامل على أساس القرار 2254 وصولاً لخروج كل القوات الأجنبية من سورية، وعلى رأسها قوات الاحتلال «الإسرائيلي» والأمريكي، مروراً بخروج التركي بالتوازي مع تطبيق الحل، ووصولاً لخروج الإيراني والروسي.
الاتجاه الثاني: هدفه هو إطالة عمر الأزمة، وتعميق معاناة وجراحات الشعب السوري، وصولاً إلى تثبيت التقسيم، وبالاستناد إلى المصالح الضيقة للمتشددين. وهذا الاتجاه الثاني، وبافتراض أنه تحقق، فإنه سينسف أول ما ينسف المصالح الضيقة التي سمحت بتمريره... ولن تكون هذه المرة الأولى التي يغدر بها الغرب بمن يتعاونون معه.
إنّ الاتجاه العام الدولي الذي تتراجع بموجبه قوة واشنطن ومعها قوة الكيان، وكذلك الاتجاه الإقليمي الذي يجري فيه التقارب بين السعودية وإيران بالضد من مصلحة الكيان، وفوق ذلك الأزمة العميقة والوجودية، والتي لا تكف عن التعمق يوماً وراء يوم داخل الكيان، وبأيدي المقاومين الفلسطينيين، هذا كلّه يصب مصباً واحداً، هو أنّ الطريق سيفتح باتجاه خسارة أمريكا والصهاينة في سورية، وضمناً خسارة المجموعة المصغرة الغربية ،وما تقوم به من حيلٍ وألاعيب، وكل من يعمل ضد هذا الاتجاه إنما يضيع فرصاً إضافيةً ربما لن يسمح التاريخ بتكرارها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1114