الصين تغلق باب «الفوضى الخلّاقة» وتفتح باب الاستقرار

الصين تغلق باب «الفوضى الخلّاقة» وتفتح باب الاستقرار

(نُشِرَ المقال التالي بالإنكليزية بالأصل في موقع geopolitika.ru في 17 آذار 2023).
يوم الجمعة، 10 آذار، تمّ إعلان اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران، تضمّن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارَين بعد قطيعة دامت أكثر من سبع سنوات (منذ كانون الثاني 2016). تم التوصل إلى هذا الاتفاق عبر وساطة صينية على أعلى المستويات. وأعرب الطرفان عن امتنانهما للرئيس الصيني شي جين بينغ شخصياً لجهوده في إنجاز التسوية بين البلدين.

إنّ أيّ مؤيِّدٍ للسلام العالمي، في أيّ مكان في العالَم، سوف ينظر بعين التقدير بالطبع لكون قوّتين إقليميّتَين مهمّتَين– السعودية وإيران– قد توصّلتا إلى تسوية للنزاع بينهما في منطقة حسّاسة ومؤثّرة كالشرق الأوسط. ونظراً لتأثيرهما الاقتصادي والسياسي والروحي، يملك هذان البلدان تأثيراً حاسماً على العديد من القضايا الساخنة في المنطقة، كما في لبنان وسورية واليمن والعراق وغيرها.
إنّ أيّ أحد يريد السلام العالَمي سوف يرحّب بهذا الاتفاق، حيث يأتي بعد نزاع متواصل طويل، لم يبدأ في 2016 بل بدأ في الحقيقة عام 1979. ومرّ هذا النزاع بالعديد من مراحل التوترات الشديدة، وخاصةً خلال العقدَين الماضيَين. وبالرغم من ذلك، ثمّة زوايا أخرى تحفّز على الترحيب الحارّ بهذا الاتفاق ببالغ الأمل من أجل الشرق الأوسط ككل.
فالعربية السعودية هي البلد العربي الأكبر تقريباً بالمعنى الاقتصادي والسياسي. وهي أيضاً مركز روحي مهمّ لمئات ملايين المسلمين حول العالَم، بوصفها البلد الذي يحوي مكّة، المكان الديني الأقدس لدى المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر السعودية في بعض التصنيفات السياسية- الثقافية، المركز السنّي للعالَم، والمسلمون السنّة هم طائفةُ رئيسية في الإسلام إلى جانب المسلمين الشيعة وطوائف أخرى.
إيران أيضاً بلدٌ مهمٌّ للغاية في المنطقة، سواء بمعنى النفوذ الاقتصادي أو السياسي أو الروحي. كما أنها وريثة إمبراطورية تاريخية قديمة، الإمبراطورية الفارسية. وتُعتَبَر إيران أيضاً أحد المراكز الرئيسية للإسلام وتصنَّف كمركز للإسلام الشيعي.
في العام 2003، مع الغزو الأمريكي للعراق، وهو بلدٌ يتاخم حدودياً كلاً من السعودية وإيران، بدأت واشنطن تستحضر علناً أشباح التاريخ الغابر لكي تستغلّها في معارك الحاضر. وبهذا الصّدد، استحضرت الولايات المتحدة معاركَ تاريخية تعود في قدمها لمئات السنوات بين الإمبراطوريتين الفارسية والعربية، وكذلك نزاعاتٍ طائفيةً داخل الإسلام بين السنّة والشّيعة تعود في قدمها إلى ما يقرب من 1400 سنة مضت.
إنّ هذين العنصرَين، النزاع الإثني العربي- الفارسي والنزاع الطائفي السنّي-الشيعي، كانا العنصرَين الرئيسَين ضمن مجموعة المشاريع الأمريكية المتعاقبة المتعلّقة بالشرق الأوسط. وتتضمّن هذه المشاريع: «الشرق الأوسط الكبير» عام 2004، خلال رئاسة جورج بوش الابن، ثمّ «الشرق الأوسط الجديد» عام 2006 الذي أعلنَتْه سابقاً وبشكل مشترك كلّ من واشنطن وتلّ أبيب. ولكنّ أوّل شخص استعمل تعبير «الفوضى الخلّاقة» عام 2005 خلال مقابلة مع «واشنطن بوست»، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس. وفي تلك المقابلة تحدّثت رايس عن خلق شرق أوسط جديد من خلال ما سمّته «الفوضى الخلّاقة».
فيما بعد، ومن خلال التجربة العملية، أصبح واضحاً أنّ هذه الفوضى كانت لها أدواتٌ وأشكالٌ شتّى. وكانت إحدى أهمّ هذه الأدوات استغلال القضايا الدينية والطائفية والقومية، وكذلك التدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وأخيراً وليس آخراً، الدعم العَمليّ للإرهاب. وكانت إحدى دعامات هذه الفوضى الخلّاقة تغذية الصراع السنّي- الشيعي ثم العربي- الفارسي. وبناءً على ذلك، انتشرت الكراهية عبر المنطقة بأسرها، على أساس غير عقلاني بالمطلق، لتصل إلى حدّ التحريض المباشر على القتل الوحشي استناداً على الاختلافات الدينية والطائفية. فسلوك منظَّمات إرهابية، مثل: «داعش» هو تطوّرٌ طبيعي لبذور الكراهية التي زرعتها «الفوضى الخلّاقة».
بالعودة إلى السعودية وإيران، بوصفهما ممثّلتان للسنة والشيعة، فإنّ وجود صراع وتوتر متواصل بينهما كان شرطاً أساسياً لكي تستمرّ الفوضى الخلّاقة. وبالتالي، فإنّ تسوية الخلافات بين البلدين لها أهمّية قصوى لجميع شعوب الشرق الأوسط.
يضاف إلى ذلك، أنّ واشنطن قد حاولت عبر العقدَين الماضيَين، ولا سيّما في السنوات العشر الأخيرة، أنْ ترسم خطّاً وهمياً استندت إليه في دفع شعوب الشرق الأوسط وبلدانه إلى أتون حروب شرسة. فعلى أحد جانبي الخط، أرادت الولايات المتحدة أن تقارب بين حليفتها «إسرائيل» والبلدان العربية، ومن دون حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية، وبخدعٍ تحت مسمّيات من قبيل «اتفاقات أبراهام» و«الناتو العربي». وعلى الجانب الآخر، قامت بوضع إيران على أساسِ عداءٍ مفتَرَض بين العرب والفرس، وبين السنة والشيعة، بحيثُ يُزعَم بأنّ هذا العداء ليس له حلّ سوى بالاحتراب حتى الموت.
لقد استفادت واشنطن ضمنياً من النهب المستمر لبلدان الخليج العربي، بدعوى أنها تحميهم من إيران. كما واستفادت أيضاً من صفقات الأسلحة الضخمة، بقيمة مئات مليارات الدولارات، التي باعتها لبلدان الخليج.
إنّ هذا الاتفاق بوساطة صينية، يعني إغلاق الباب على أداة كبرى من أدوات الفوضى الخلّاقة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويعني أيضاً فتح الباب واسعاً على مصراعيه باتجاه السلام والاستقرار على أساس الاحترام المتبادل للمصالح والثقافات.

المصدر: CHINA CLOSES THE “CREATIVE CHAOS” DOOR IN THE MIDDLE EAST, AND OPEN THE STABILITY DOOR  وأعيد نشرها بالإنكليزية على Kassioun.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1114
آخر تعديل على الإثنين, 20 آذار/مارس 2023 14:15