مع استنفاد أدواته التخريبية الغرب يجرب حظه مرة أخرى مع الجولاني
ريم عيسى ريم عيسى

مع استنفاد أدواته التخريبية الغرب يجرب حظه مرة أخرى مع الجولاني

شهدت المنطقة تطورات كبيرة خلال الأشهر الماضية، ومن ضمنها تطورات في الملف السوري، وأبرزها: خطوات ملموسة ومتسارعة باتجاه تقارب سوري- تركي في إطار مسار أستانا، فيما يصب في وضع الأسس التي تؤدي إلى خلق الظروف الملائمة للمضي قدماً باتجاه الخروج من الأزمة السورية، من خلال حل سياسي شامل، عبر التطبيق الكامل للقرار 2254. وكما وضحت قاسيون في العديد من المقالات، فإن هذا يشكّل مصدر قلق كبير لعدة لاعبين محليين وإقليميين ودوليين، وبالتحديد المتشددين من الأطراف السورية، و«إسرائيل»، والغرب بقيادة أمريكا. الأمر الذي يدفعهم إلى تفعيل أدواتهم التخريبية في محاولات يائسة لإيقاف القطار، وحرفه عن مساره، أو تدميره بشكل كامل. مع الوقت ومع تطور الأمور بالاتجاهات التي شهدتها المنطقة والعالم، وبشكل متسارع خلال العام الماضي، باتت الأدوات المتاحة لهذه الأطراف أقل من حيث الفعالية والكميّة.

وكانت قاسيون قد غطّت باستفاضة أهمية التقارب السوري- التركي في سياق الحل الشامل للأزمة السورية، ما يعني حل المشاكل الجزئية التي كانت وما زالت عاملاً أساسياً في استمرار الأزمة، ومن بينها ملف الشمال الغربي الذي ما يزال عالقاً، بشكل رئيسي بسبب استمرار وجود جبهة النصرة.

لطالما استخدم الغرب– وعلى رأسه الأمريكان– جبهة النصرة كأداة تخريبية أساسية خلال سنوات الأزمة ومنذ ظهورها. وتطور استخدامهم لها حسب المرحلة والتطورات على الأرض، الأمر الذي سلطت قاسيون الضوء عليه. وما كان ملحوظاً هو تطور الحديث حول النصرة من أنها جهة إرهابية– وما زالت أممياً مصنفة كذلك وحتى لدى الدول الغربية وأمريكا– إلى الحديث عنها كشريك محتمل لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي رافقته محاولات كثيرة لتلميع صورتها، من خلال الحديث عنها على أنها تستهدف مجموعات «أكثر إرهابية» أو «أكثر تشدداً»، أو محاولة تصدير قائدها الجولاني بصورة أكثر «تحضراً» بلباس مدني ولحية أقصر وصور مع صحفيين غربيين.

كل ذلك تمت تغطيته في قاسيون سابقاً، ولكن من الواضح أن هذا الملف ما زال أحد الأدوات الأخيرة لدى أمريكا والغرب، والذي يشكل الهامش المتقلص بشكل متزايد ومتسارع، والذي يمكن لهم اللعب فيه لمحاولة إعاقة الحل في سورية.

الخطاب الغربي الرسمي لم يكن إيجابياً اتجاه النصرة، على الأقل ليس بشكل مباشر وصريح، ولكن مع ذلك لم يخلُ من تلميحات هنا وهناك، وبالأخص من شخصيات، مثل: المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، والذي قال في كانون الثاني 2020 عندما كان ما يزال على رأس عمله: إن النصرة «يدّعون أنهم مقاتلون وطنيون معارضون... ولم نرهم يشكلون تهديداً دولياً منذ فترة». لاحقاً وفي فيلم عن النصرة والجولاني، قال جيفري: إن النصرة أشبه بـ «قوى المقاومة أو حركات التحرر الوطني أو غيرها من الحركات التي تستخدم الإرهاب أحياناً كتكتيك... وهم يركزون بشدة على الإطاحة بنظام الأسد... ولا يلاحقون المدنيين».

ولكن الأداة الأساسية التي استخدمها الغرب وأمريكا في محاولة تلميع صورة النصرة والتخفيف من الصبغة الإرهابية، أو حتى إزالتها عنها، كانت وما زالت مراكز الأبحاث الرئيسية ومنها مجموعة الأزمات الدولية– وهي مؤسسة بحثية غربية، والتي سبق ونشرت تقارير حفزت فيها على إعادة النظر بالنصرة كجهة مصنفة إرهابية. كان أبرز هذه الأمثلة تقرير نشرته في شباط 2021 بعنوان «في إدلب السورية، فرصة واشنطن لإعادة تصوّر مكافحة الإرهاب» والذي غطته قاسيون في مادة نشرتها بعد أيام من صدور التقرير.

كانت النقاط الأساسية في ذلك التقرير، أن النصرة في الواقع تحارب الإرهابيين، وأنها معتدلة، وتعامل النساء والأقليات بشكل جيّد، وأنها سوريّة– وهذه النقطة الأخيرة كانت موضع اهتمام عدد من التقارير الأمريكية، التي بدأت منذ بضعة سنوات بـ «سورنة» النصرة.

من الواضح، أن التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة وبالأخص الملف السوري، ومن خلال النشاط الملحوظ والخطوات العملية لمسار أستانا كانت سبباً أساسياً في إعادة فتح موضوع النصرة وأهمية العمل معها، حيث نشرت مجموعة الأزمات الدولية قبل أيام، في 7 آذار، تقريراً بعنوان «احتواء الجهاديين العابرين للحدود في شمال غرب سورية»، وبالرغم من وضع الأمور في سياق الحاضر، إلا أن المضمون لم يتغير كثيراً عن التقرير الذي أتى قبل عامين تقريباً.

الجديد في هذا التقرير، هو شكلي ويتماشى مع المرحلة، حيث إن التركيز الأساسي ومن أوله هو حول السياسة التركية في سورية، حيث يتكلم التقرير في بدايته عن «انعدام اليقين بشأن السياسة التركية حيال سورية»، ويقول: إنه «بالنظر إلى أن الوجود العسكري التركي أساسي للمحافظة على وقف إطلاق النار في إدلب، فإن تحولاً في هذه السياسة من شأنه أن يسمح لتنظيم الدولة الإسلامية، والمجموعات الجهادية الأخرى بالعودة إلى النشاط». ويربط التقرير كل هذا– ومن منطلق تبرير إصداره في هذا التوقيت– مع الاستجابة الإنسانية عقب الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 شباط الماضي.

حول ما يجب القيام به، يذكر التقرير من ضمن توصياته، وبالتحديد للحكومات الغربية، أنه «يترتب عليها استكشاف إمكانية فتح قنوات اتصال مع هيئة تحرير الشام، من أجل التوصل على فهم أفضل للتهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية، والمقاتلون العابرون للحدود في شمال غرب سورية». ويذكر لاحقاً أن «هيئة تحرير الشام قد تخلت عن الجهاد العابر للحدود، ولاحقت خلايا تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، وأخضعت معظم الجهاديين الآخرين. وما يزال تنظيم الدولة صامداً في إدلب فقط، لأن هيئة تحرير الشام تفتقد إلى القدرة على سحقه تماماً». ويضيف التقرير، أنه «يمكن للدول الغربية أن تفتح قنوات اتصال غير رسمية مع هيئة تحرير الشام، من أجل الحصول على معلومات أفضل بشأن نشاط العناصر المسلحة العابرة للحدود في إدلب والتفاوض بشأن تحسين وصول المساعدات إلى السكان الذين يعانون».

من حيث المضمون، التقرير لا يقدم أي شيء جديد حول النصرة، فهذا التوجه واضح منذ أكثر من سنتين فيما يتعلق بمحاولة تلميع النصرة والجولاني، واعتبارهما شريك في الملف السوري، وبالتأكيد هما كذلك فيما يتعلق بالمقاربة الغربية- الأمريكية للملف السوري. ولكن من حيث الشكل، فإن التقرير وضوحاً يستهدف السياسة التركية اتجاه الملف السوري، ولكن ما لا يقوله، هو أن التركيز الرئيسي لتلك السياسة اليوم هو ملف التسوية السورية- التركية، والذي يجري حصرياً من خلال مسار أستانا، وبعيداً عن الغرب وسياساته ومساراته.

أهم من كل ذلك، هو أن إنهاء وجود جبهة النصرة يشكل بنداً أساسياً في عمل مسار أستانا بشكل عام، والتسوية السورية- التركية على وجه الخصوص. ما يعني أن الحديث اليوم عن فتح قنوات تواصل مع النصرة ودعمها عسكرياً بذريعة محاربة داعش، هو الدفع وبشكل علني للعمل بالضد من التسوية السورية- التركية ومسار أستانا، أي العمل ضد الوصول إلى حل سياسي شامل في سورية، بعيداً عن الغرب وأمريكا، ومن خلال مبادرات من قبل القوى الصاعدة... الأمر الذي تم إثبات فعاليته مؤخراً من خلال نتائج ملموسة، ما يدعو للتفاؤل حول اقتراب الوصول إلى حل في سورية والخروج من الأزمة، ليس فقط بالرغم من الغرب وأمريكا، ولكن بالضرورة دونهم.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1113
آخر تعديل على الإثنين, 13 آذار/مارس 2023 21:38